لماذا هناك قوانين في الدولة بمجرد الاقتراب منها تصعقك بقسوتها، وعدم ملاءمتها لأبسط مبادئ الحرية وحقوق الإنسان في التعبير؟!، مثل تلك القوانين سريعة التطبيق، سريعة الاشتعال، مجرد ملامستها - ولو دون قصد - ستلقي بك في السجون لمدد طويلة دون رحمة، تلك القوانين تخضع لتفسير ضيق ومتشدد من المحاكم، فهي لا تترك للقاضي حرية الاختيار بين حد أدنى وحد أعلى للعقوبة، ولا مجال فيها لإحلال عقوبة الغرامة بدل الحبس، أيضاً ستهرول الأجهزة الأمنية لتطبيقها بسرعة البرق، لتقول لنا تلك الأجهزة القمعية إنها العين الساهرة على أمن البلاد واستقرار حال العباد... لماذا هذه القوانين؟! ولماذا شرعها نواب الأمة بقيادة مايسترو السلطة؟ ولماذا سكت عنها نواب المجالس المتعاقبة كل تلك السنوات الطويلة؟!

لماذا هناك قوانين في الدولة، هي والعدم سواء بسواء، لا يكترث لها إلا بالمناسبات، وحسب شخصية المسؤول القيادي، الذي يتغير حسب مزاج المسؤول الأعلى منه، أو حسب طلبات ورغبات بعض نواب الشغب (نعم بالغين وليس العين)، على الأكثر. تلك القوانين الميتة تدب فيها الحياة ليوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين، ثم تطوى صفحتها جانباً، وتنساها جهة التنفيذ، فالوزير تدخل، أو أن الشرطة تعبوا من تنفيذها، أو هناك نقص في أجهزة ملاحقتها... إلى غير ذلك من أسباب العجز والتواكل في دولة الموظف العام.

Ad

مثال القوانين في الحالة الأولى هي قوانين أمن الدولة، وكم هي مرعبة في شدتها وقسوتها، خذوا مثلاً المادة 4 من قانون الجزاء (تعديل 31 لسنة 70) تنص على "... يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات، كل من قام بغير إذن من الحكومة بجمع الجند أو قام بعمل عدائي آخر ضد دولة أجنبية من شأنه تعريض الكويت لخطر الحرب أو قطع العلاقات السياسية...".

هل تعرفون، في الحقيقة، أن الدول الأجنبية المقصودة، والتي جرى العمل السلطوي على تحديدها، هي دولنا العربية الشقيقة، التي ضربت المثل الأعلى تاريخياً في صيانة وضمان حقوق الإنسان وكرامته!! وليست دول الكفار الأجنبية التي لو هزأتها من ألفها إلى يائها لن تقدم عليك أي شكوى، ولو كنت في داخل أراضيها... فكم عدد المغردين البسطاء الذين زج بهم في السجون بسبب هذه المادة؟ وكم عدد الذين "طفشوا" من البلد هرباً من تطبيق مواد شقيقة في قسوتها ونقضها لحرية النقد والتعبير لمثل المادة السابقة سيئة الذكر...؟

أمثلة القوانين الثانية (الميتة أو التي تصحو لفترة بسيطة ثم تغفو لعقود) لا تعد ولا تحسب، لا تعرف أين تبدأ وأين تنتهي، مثلاً إذا خرجت من عملك أو ذهبت لقضاء حاجة في السوق، لا تستطيع الدخول لهذا الشارع الضيق في العاصمة، فالسيارات الواقفة من الجهتين في مكان ممنوع الوقوف أغلقت الشارع تماماً وعطلت السير... لا توجد دورية مرور تخالف أو تسحب السيارات المخالفة، حدث مرة أو مرتين تم تفعيل العقوبة، ثم تم تناسيها وركنت جانباً... أيضاً مئات المتهورين يقودون السيارات بسرعة مجنونة، ودون مراعاة لأبسط قوانين المرور... لا ملاحقة إلا ما رحم ربي.

ضربنا مثالاً بقضية المرور، وهو كارثة كبيرة نعاني منها، لكن ليس قانون المرور وحده هنا المغلوب على أمره، فما أكثر مثل تلك القوانين في بلدنا، وكل البلاد الفاشلة في مفهوم تطبيق حكم القانون، ومراعاة قضية حرية التعبير، لماذا هذه الازدواجية يا سلطة...؟!