في زمن مضى، وتحديداً في آخر ثمانينيات القرن الماضي، ومع نهاية الحرب الباردة، كان العالم ينتظر بزوغ عالم جديد، أو نظام دولي جديد، يكون فيه التدخل العسكري تدخلاً إنسانياً، محكوماً بميثاق الأمم المتحدة وفصله السابع.

كان أول تعامل بهذا الصدد مع غزو العراق للكويت في أغسطس 1990، فكان من المرات النادرة دولياً في مجلس الأمن، التي توافَق فيها الحق مع القوة. لحقته بعد 3 سنوات عملية إعادة الأمل في الصومال، والتي لم تُعد أملاً، بل فاقمت الأمور وبدا أنها مؤشر لانكسار وانحسار.

Ad

انتهت الحرب الباردة، وتحولت 68 دولة بالتدريج من الشكل المركزي للحكم إلى دول ديمقراطية أو شبه ديمقراطية، ليبرز لنا تخصص جديد اسمه العدالة الانتقالية، نظراً لحاجة تلك الدول إلى معرفة كيفية التعامل مع مخاضات التحول الصعبة للديمقراطية.

أما اليوم، وبعد مرور قرابة 17 عاماً على سقوط الحرب الباردة، فيتضح أن تلك التحولات للديمقراطية آخذة في الانكماش والتراجع، كما يخبرنا بذلك التقرير السنوي لـ "ايكونومست إنتلغنس يونيت" لسنة 2018 ، وهو تقرير يواصل الصدور منذ 2006 . ويشمل التقرير 167 دولة، وقد كشف عن أن 89 منها تراجعت في ترتيبها، حتى الولايات المتحدة تم خفض ترتيبها لتوضع في خانة الدول ذات الديمقراطية المنقوصة.

ويقسم التقرير خريطة العالم إلى ألوان، من الأخضر الفاقع للأكثر ديمقراطية، إلى الأحمر الفاقع للأقل ديمقراطية، ولا داعي لتوضيح أن ذلك الأحمر الفاقع ينتشر في منطقتنا بلا تداخل.

يرصد التقرير 60 مؤشراً تم تجميعها في خمس مجموعات، وهي: التعددية والعملية الانتخابية، فعالية الحكومة، المشاركة السياسية، ثقافة الديمقراطية، والحريات المدنية. ومن خلال تلك المؤشرات يتم تصنيف الدول إلى ٤ فئات: دول ديمقراطية كاملة، وديمقراطية منقوصة، وأنظمة هجين، وأنظمة تسلطية. وبطبيعة الحال لا توجد دولة عربية ضمن المجموعة الأولى.

كان لافتاً أن التقرير أضاف مؤشراً جديداً هذه السنة، للمرة الاولى في تاريخه، عن حرية التعبير، إذ إنه لا ديمقراطية حقيقية دون حرية تعبير. ولم تختلف الصورة كثيراً، فحرية التعبير تشهد هي الأخرى تراجعاً كبيراً. وهكذا فإن منطقتنا زاخرة بالتراجع في الديمقراطية وحرية التعبير وما بينهما... وللتفاصيل بقية.