رأي دينيس بلير

Ad

قرأتُ باهتمام مقالة كاتلين تالمادج التي كانت بعنوان «خيار بكين النووي» (نوفمبر/ديسمبر 2018)، حيث اقتبست كلامي حين اعتبرتُ في عام 2015 أنّ احتمال حصول مواجهة نووية بين الولايات المتحدة والصين «شبه معدوم». ثم بدأت توضح ما يجعلها ترفض الجمود في وجه زيادة احتمال تصعيد الوضع، من دون أن تناقش العتبة النووية الفائقة في المواجهة أو الصراع بين الولايات المتحدة والصين، ما زلتُ مقتنعاً بأن احتمال استعمال الأسلحة النووية ضئيل جداً.

طرحت تالمادج حجة أساسية مفادها أن الولايات المتحدة، في أي صراع مع الصين، ستطلق فوراً هجوماً جوياً وصاروخياً شاملاً ضد الأهداف العسكرية على الأراضي الصينية وضد الغواصات الهجومية الصينية بحراً، وبهذه الطريقة، ستضرب الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة غواصات الصين الصاروخية البالستية أو صواريخها النووية المتحركة. في المقابل سيجد القادة الصينيون نفسهم أمام معضلة تدفعهم إلى استعمال ترسانتهم النووية أو الامتناع عن استعمالها، وقد يقررون أيضاً إطلاق هجوم نووي ضد الولايات المتحدة، لكن يبدو ذلك السيناريو مستبعداً جداً، حتى أن هذا الاحتمال شبه معدوم.

سيكون الصراع الأميركي الصيني أشبه بحملة بحرية، حيث يحاول الطرفان غزو الجزر أو الدفاع عنها، وستكون الاعتداءات على الأهداف البرية التي تتجاوز الجزر المتنازع عليها والمياه المحيطة بها، سواء نفّذتها الولايات المتحدة ضد الأراضي الصينية أو نفذتها الصين ضد القواعد الأميركية الخارجية، مُوجّهة ضد المنشآت العسكرية والأنظمة التي دعمت الحملة البحرية، أي الموانئ والقواعد الجوية ومراكز القيادة والتحكم.

من المعروف أن قوى الردع النووية والعابرة للقارات في البلدين منفصلة عن تلك المنشآت، كذلك يدرك المخططون الأميركيون الخطر المترتب عن مهاجمة أي ترسانة نووية حكومية ويتخذون تدابير وقائية استثنائية لتجنب تحرك مماثل، صحيح أن احتمال ارتكاب خطأ معزول يبقى قائماً دوماً، لكن يمكن التمييز بين الغواصات المسلّحة نووياً والغواصات التقليدية، ويمكن التمييز أيضاً بين الصواريخ التي تكون قصيرة المدى وثنائية الاستخدام، كتلك التي تهدد تايوان المجاورة للصين والقواعد الأميركية في المحيط الهادئ، والصواريخ العابرة للقارات التي تهدد الولايات المتحدة.

إذا أدت ضربة أميركية، عن طريق الخطأ، إلى تدمير صاروخ نووي أرضي ومتوسط المدى أو إغراق غواصة صاروخية بالستية، فستشعر الصين حتماً بقلق شديد لكن من المستبعد أن تردّ بكين عبر إطلاق هجوم نووي ضد الولايات المتحدة. وحتى قبل التفكير بخرق عقيدة «عدم التحرك أولاً» التي يلتزم بها القادة الصينيون منذ فترة طويلة، سينتظر هؤلاء لمعرفة ما إذا كانت الحملة الأميركية المنظّمة والمتواصلة ضد ترسانتهم النووية أصبحت وشيكة. لا شيء يدفع الولايات المتحدة إلى إطلاق حملة مماثلة، حتى أنها ستتخذ جميع التدابير الوقائية اللازمة لتجنبها.

سيصبح خطر تصعيد الوضع في هذه الصراعات حقيقياً حين تفشل محاولات الصين الرامية إلى الاستيلاء على الجزر المتنازع عليها، أي تايوان، أو واحدة من جزر دياويو/سينكاكو، أو جزيرة في بحر الصين الجنوبي. ستؤدي أي محاولة فاشلة لاستعادة الأرض التي تعتبرها الحكومة الصينية ملكاً لها إلى إضعاف شرعية الحزب الشيوعي الصيني، حتى أنها قد تجعل بكين يائسة بما يكفي للتهديد باستعمال الأسلحة النووية. مجدداً، يدرك المخططون الأميركيون هذا الخطر وسيسعون حتماً إلى إنهاء الصراع البحري مع الصين بطريقة تضمن تقليص الدوافع التي تبرر تصعيد المواجهة.

ردّ كايتلين تالمادج

تعكس رسالة دينيس بلير الفكرة التقليدية السائدة بشأن الحرب الأميركية الصينية المحتملة: إذا اختارت الولايات المتحدة المجموعة المناسبة من الأهداف، فستفهم الصين حتماً أن الحرب كانت محدودة وستفقد الأسلحة النووية أهميتها. يتمنى الجميع أن يكون بلير محقاً، لكن وسط ضبابية الحرب وشكوكها، يمكن أن تتغيّر آراء الصين حول النوايا الأميركية والردع النووي بشكل جذري، وإذا نجحت الحملة الأميركية في تدمير مكوّنات مهمة من قدرات الردع الصينية، فسيستنتج القادة الصينيون، على مضض، أن التصعيد المحدود، الذي يمكن أن يتمثل بإطلاق ضربة استعراضية في البحر، خيار ممكن.

يستخف بلير بالروابط المتزايدة بين القوى النووية الصينية وقواها التقليدية، وبحسب رأيه ستكتفي الولايات المتحدة، في أي صراع بحري، بمهاجمة الموانئ الصينية والقواعد الجوية ومراكز القيادة والتحكم براً، لكنه يتجاهل بذلك واقع أنّ بعض الموارد البرية لا تدعم القوات البحرية التقليدية فحسب، بل الغواصات الصينية المسلّحة نووياً أيضاً. فيما يخص الصراع البري أتفق مع بلير على الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة تستطيع التمييز بين صواريخ الصين النووية ومتوسطة المدى وصواريخها النووية العابرة للقارات، لكن تتعلق المسألة الأساسية بمدى قدرة الولايات المتحدة على التمييز بين مختلف أنواع الصواريخ المتوسطة المدى ونزعتها إلى مهاجمة الصواريخ التقليدية حصراً وعدم المساس بالصواريخ النووية. إذا كانت تعجز عن فعل ذلك، وهي تعجز عن ذلك على الأرجح كما شرحتُ في مقالتي، فستتعلق المسألة المحورية حينها بحجم مخاوف الصين على أمن قوتها الصغيرة المؤلفة من صواريخ بالستية نووية وعابرة للقارات بعد انهيار صواريخها متوسطة المدى ودفاعاتها الجوية.

لكن يبالغ بلير في طرح اختلافاتنا في بعض المجالات، أنا أتفق معه مثلاً على إمكانية التمييز بين الغواصات المسلحة نووياً والغواصات التقليدية، وعلى احتمال وقوع خطأ معزول دوماً، لكننا نختلف في المقابل حول ردة فعل الصين على خطأ مماثل، علماً أن هذا الخطأ قد يقضي على ربع نظام الردع النووي البحري في البلاد.

تذكر مقالتي بكل وضوح أن احتمال حصول تصعيد نووي من الجانب الصيني ليس مرتفعاً في المطلق، ولن يكون هذا الخطر ممكناً جداً، بل إن عواقبه ستكون وخيمة، ولكن سيزيد احتمال وقوع مواجهة نووية إذا افترضت الولايات المتحدة بكل ثقة، كما يفعل بلير، أن تحرّك الصين سيكون متوقعاً ومحدوداً.

● دينيس بلير وكايتلين تالمادج– فورين أفيرز