إن الموعد النهائي الذي حددته المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي في التاسع والعشرين من مارس 2019 يقترب بسرعة، ومع ذلك يظل من غير الواضح إلى حد كبير كيف قد تتوالى خطوات الخروج الفعلية، وقريبا لن يكون هناك سبيل لتجنب اتخاذ القرار. هذا يعني أن الوقت حان، بعد عامين ونصف العام من الانجراف والانتقادات العنيفة، لكي يبدأ أولئك على جانبي مناقشة الخروج من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة في تحري الصدق والنزاهة.

على الرغم من الاتفاق الذي أبرمته رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، فإن احتمالات حصول الاتفاق على الموافقة البرلمانية بحلول الرابع عشر من يناير- الموعد النهائي الذي حددته تيريزا ماي- تبدو ضئيلة للغاية، على الرغم من الشهر الإضافي الذي أعطته لنفسها لمحاولة تحسين الاحتمالات، ولكن بدلا من هذا، يبدو على نحو متزايد أن المملكة المتحدة تتجه نحو الاختيار بين نقيضين كل منهما متطرف ومن المرجح أن ينطوي على استفتاء آخر.

Ad

يتلخص البديل الأول- الذي يفضله عدد متزايد من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين الحاكم، وإن لم يكن مفضلا بشكل رسمي بعد من قِبَل المعارضة المتمثلة في حزب العمال- في عقد استفتاء ثان على الخروج من الاتحاد الأوروبي، والفكرة هنا أن الناخبين في المملكة المتحدة، بعد أن شهدوا الفوضى السياسية والسلوكيات الطائشة منذ استفتاء يونيو 2016 الذي انتهى إلى فوز أنصار "الخروج" بفارق ضئيل (51.9% إلى 48.1%)، ربما يقررون أنهم لا يريدون الاستمرار في عملية الخروج على الإطلاق، ولكن بعيدا عن هذا، تتلخص الفكرة الأعرض في ضرورة سؤال الشعب مرة أخرى إذا كان البرلمان وصل إلى طريق مسدود.

الخيار الثاني الأكثر تطرفا- الذي يفضله بعض الأصوليين في حزب المحافظين، بمن في ذلك وزير الخارجية السابق بوريس جونسون- هو الخروج "بلا اتفاق"، والذي بموجبه تخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في ظل الحد الأدنى من الترتيبات القانونية لإدارة العلاقات في المستقبل، وهم يزعمون أن هذا من شأنه أن يعطي المملكة المتحدة الحيز اللازم لتبني أجندة إلغاء الضوابط التنظيمية التي يفضلونها لتحرير السوق، والتفاوض على اتفاقيات تجارية جديدة مع أمثال الولايات المتحدة واليابان والصين.

ربما لا يزال من الممكن حصول المملكة المتحدة (أو بالأحرى الساسة البريطانيين) على حيز أكبر من الوقت للاستقرار على اختيار نهائي، ولكن سواء توقفت الساعة أو لم تتوقف (على طريقة الاتحاد الأوروبي العريقة)، فيبدو من المرجح أن يقع الاختيار على أحد هذه الاختيارات المتطرفة في نهاية المطاف.

من منظور أولئك الذين يدعون إلى عقد استفتاء جديد (وأنا منهم) على أمل عكس قرار الخروج، فإن الصراحة تقتضي الاعتراف بأن التصويت لـ"البقاء" ليس أمرا مؤكدا على الإطلاق، تماما كما كانت الحال في المرة الأولى. تشير نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن أغلبية واضحة من الناخبين سيفضلون البقاء إذا طُلِب منهم الاختيار بين البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الرحيل في إطار مثل هذا الاتفاق الانتقالي الذي تفاوضت عليه تيريزا ماي.

بيد أن استطلاعات الرأي هذه تعكس الفوضى السياسية الحالية، حيث يعاني أنصار الخروج انقساما مريرا، وقد تتغير هذه الحال، وخاصة إذا رُفِض اتفاق ماي بشكل قاطع، وتمكنت جماعة أنصار الخروج من التوحد حول خطة بديلة.

وتزداد الحاجة إلى الصراحة قوة على الجانب المؤيد للخروج، وينطوي هذا أيضا على عقد استفتاء قد تكون نتيجته الخسارة، فسوف يضطر المتشددون من أنصار الخروج إلى الإقرار بأن تدابيرهم المفضلة قد تفضي إلى انهيار المملكة المتحدة، مع اختيار أيرلندا الشمالية، في استفتاء، الانضمام إلى جمهورية أيرلندا.

يتمثل أكبر اعتراض من جانب أنصار الخروج على اتفاق تيريزا ماي في أنه يشمل ضمانة، تعرف باسم "السناد الداعم"، بأن تبذل المملكة المتحدة قصارى جهدها لضمان عدم إعادة فرض الضوابط الحدودية المادية على الخط الحدودي الذي يمتد 300 ميل بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، ولكي ينجح هذا في الممارسة العملية، فلابد أن تحافظ بريطانيا بعد الخروج على ضوابطها التنظيمية في ما يتصل بالسلع والمنتجات الزراعية، ناهيك عن تعريفاتها التجارية، التي تتماشى بشكل وثيق مع نظيراتها في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك فإن الجائزة الحقيقية التي ينالها المتشددون من أنصار الخروج تتمثل باستعادة سلطة المملكة المتحدة في ما يتصل بوضع القواعد التي تراها مناسبة.

منذ استفتاء 2016، كانت المناقشة حول الحدود الأيرلندية مكبوتة، وجرى تشويهها بفِعل سلسلة من التخيلات والأوهام، مثل إيجاد حل تكنولوجي يحافظ على الحدود بلا أي احتكاكات نسبيا، أو حمل كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بشكل أو بآخر، على العمل كوكيل جمركي للآخر، لكن الحد من الضوابط الحدودية ليس كافيا. ففي عام 1998، أفلتت أيرلندا الشمالية من حرب أهلية دامت ثلاثين عاما، بعد وفاة أكثر من ثلاثة آلاف إنسان. وللحفاظ على سلام لا يزال هشا، يجب ألا تكون هناك أي حدود على الإطلاق، وهو اختبار بالغ القسوة ولم تتمكن أي من الحلول المفترضة اجتيازه.

إذا لم يكن المتشددون من أنصار الخروج على استعداد للقيام بكل ما يلزم للحفاظ على حدود بلا احتكاكات مع الاتحاد الأوروبي في أيرلندا، فيجب عليهم أن يعترفوا بالعواقب المحتملة، فسوف تكون أيرلندا الشمالية راغبة في الاختيار، في إطار استفتاء، بين البقاء في المملكة المتحدة أو الوحدة مع جمهورية أيرلندا، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي.

ومثل هذه الخطوة مسموح بها بموجب اتفاق الجمعة الحزينة في عام 1998، الذي أنهى الحرب الأهلية وتضمن وعدا من المملكة المتحدة وأيرلندا والاتحاد الأوروبي بالإبقاء على الضوابط التنظيمية متماثلة في مختلف أنحاء أيرلندا. والواقع أن هذا الاتفاق يترك احتمال إعادة توحيد أيرلندا مفتوحا، إذا قررت الغالبية في كل من أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، في إطار استفتاء، أن هذا هو مرادها.

في عام 2016، صوتت أيرلندا الشمالية بفارق واضح (56% إلى 44%) البقاء في الاتحاد الأوروبي، ورغم أن حكومة الأقلية المحافظة تلقى الدعم من جانب أعضاء البرلمان العشرة الذين يمثلون حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يدعم الخروج البريطاني في أيرلندا الشمالية، فإن أغلبية أكبر من الناخبين في أيرلندا الشمالية ربما يختارون الاتحاد الأوروبي اليوم.

وعلى هذا فإن أنصار الخروج الصادقين لابد أن يعترفوا بأن مغادرة الاتحاد الأوروبي بشروطهم ربما تؤدي إلى تفكك المملكة المتحدة، ومن شبه المؤكد أن إعادة توحيد أيرلندا من شأنها أن تجعل الاستفتاء على الاستقلال في اسكتلندا خيارا لا يقاوم، وإن كان من المستحيل معرفة إلى أي طريق قد يفضي.

في يونيو الفائت، عندما سُئِل جونسون عن مخاوف قادة المال والأعمال فيما يتصل بالخروج البريطاني، قال في تصريح شائن "اللعنة على الأعمال"، ولو تحرى الصدق والأمانة، فإنه كان سيطبق الرفض الفظ نفسه على أيرلندا الشمالية وأسكتلندا، وآنذاك كان سيصبح من الواضح على الأقل أين يقف أنصار الخروج حقا.

* بِل إيموت

* رئيس تحرير مجلة "ذي إيكونوميست"، وهو مؤلف كتاب "مصير الغرب".

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»