لا شك أن ترامب محق في تنديده بتسامح الصين حيال سرقة الملكية الفكرية وغيرها من الانتهاكات التجارية، حتى أشد منتقديه يقرون بذلك، وثمة إشارات قوية إلى أن المفاوضين الأميركيين يحصلون على تنازلات من بكين بشأن قدرة الشركات الأميركية على دخول السوق وحماية ملكيتها الفكرية، لكن صفقة من هذا النوع تنقذ ماء الوجه لن تبدّل حقاً سلوك الصين، ولتحقيق هذا الهدف على ترامب أن يحارب ذلك بدعمه مصالح العمال الصينيين العاديين، وهكذا يضغط على دولة الحزب الواحد الصينية في نقطة ضعفها الأبرز وينقل رسالة تؤكد أن خلافنا ليس مع الشعب الصيني بل مع دولة الحزب الواحد الصينية.

في الوقت عينه نجح المقاولون الصينيون في السيطرة عالمياً على التجارة الإلكترونية والدفع بواسطة الهاتف الجوال، ومع اقتراب عدد شركات التكنولوجيا الناشئة، التي تبلغ قيمتها مليار دولار، في الصين مما تتمتع به الولايات المتحدة، تمكنت دولة الحزب الواحد الصينية من الحد بحزم من مناقشة الأفكار والأحداث الحساسة سياسياً على وسائل الإعلام الرقمية، وهكذا حالت دون انتشار الاعتداءات الإرهابية ومحاولات الانشقاق السياسي السلمي، علماً أنهما يميلان إلى التفشي بسرعة.

Ad

ولكن مع مواجهة الصين اليوم تباطؤاً في النمو، تباطؤاً بدأ يسبب هياجاً خطيراً بين مستثمري الطبقة الوسطى الذين تعرض كثيرون منهم لضربة قاسية مع انهيار برامجهم للإقراض بين الأقران غير المنظمة بدقة، وبين العمال المهاجرين الذين يفتقرون إلى المهارات والذين تأذوا كثيراً بسبب نقل وظائف التصنيع المتدنية الأجر إلى مناطق أخرى أقل كلفة في آسيا، يواجه جدار الحماية ودولة الحزب الواحد التي يحميها من الانتقادات امتحاناً.

لا ننسى أن دولة الحزب الواحد سعت بدأب إلى مراقبة المناقشات بشأن حرب دونالد ترامب التجارية وردها الخاص الصعب والأليم. صُوِّرت هذه الحرب عموماً كانعكاس لرغبة بكين في الحفاظ على هامش تحركها، فلو تفاقم الغضب الشعبي حيال رسوم الولايات المتحدة الجمركية، لصعب على دولة الحزب الواحد هذه تقديم تنازلات للأميركيين.

ولكن ثمة احتمال آخر، ألا وهو أن بعض المواطنين الصينيين على الأقل يهللون لمقاربة ترامب المتشددة، كما أشار أخيراً الناشط المؤيد للديمقراطية تشن غوانغ تشنغ في صحيفة "واشنطن بوست". ذكر: "قد يبدو غريباً بالنسبة إلى أميركيين كثر أن يطالب الناس في الصين بمزيد من الرسوم الجمركية، كما لو أنهم يرحبون بالضرر الاقتصادي الذي يلحق بوطنهم، لكن معظم المواطنين الصينيين لا ينظرون إلى المسألة من هذا المنظار، بل يعتقدون عموماً أن الرسوم الجمركية ستضر بالحزب الشيوعي أكثر مما تؤذي المواطن العادي بما أن الحزب يتلاعب بالتجارة ليملأ جيوبه ويدعم الاقتصاد".

لكن اللافت للنظر أن ترامب لم يتخذ أي خطوات ليشجّع خط التفكير هذا رغم واقع أن هذا سيعود عليه، والأهم من ذلك على العالم، بالفائدة، لكن كل ما يهم ترامب على ما يبدو تضييق العجز التجاري الثنائي بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن أمله سيخيب في هذا المجال، حتى لو تقلص العجز التجاري الثنائي بين البلدين، تتأثر الموازين التجارية عموماً بالطرق التي تُقرر بها الشعوب في الدول المختلفة الادخار والإنفاق.

يتحمل العمال في الولايات المتحدة وديمقراطيات السوق الأخرى العواقب أيضاً، بما أن للواردات الصينية القليلة الكلفة في الظاهر "ثمن: خسارة الوظائف وتراكم الديون". لذلك تبقى الطريقة الأكيدة للتخفيف من التوتر بين الصين والولايات المتحدة على الأمد الطويلة السماح للعمال الصينيين من أصحاب الأجور المتوسطة والمتدنية بالاحتفاظ بمقدار أكبر مما يكسبونه، صحيح أن هذا لا يضمن خفض العجز التجاري الثنائي، إلا أن تعزيز استهلاك الأسر الصينية سيزيد بالتأكيد استهلاك الصين للواردات، بما فيها الواردات الأميركية. إذاً، لا تضارب بين مصالح العمال الصينيين والعمال الأميركيين، على العكس نلاحظ توافقاً كاملاً بينهما، فدول الحزب الواحد الصينية هي مَن يستفيد من كبح لجام استهلاك الأسر وهي مَن يوجّه موارد ضخمة إلى جيوب أعضاء الحزب والصناعيين الذين يتمتعون بعلاقات سياسية جيدة، لا الشعب الصيني.

تشكّل هذه نقطة ضعف يستطيع ترامب استغلالها اليوم، تخيلوا لو يدلي الرئيس خطاباً عاماً مهماً يتناول هذه المسألة، وخصوصاً على الأراضي الصينية، وإذا بدا هذا غريباً بالنسبة إلى شخصية رجل لا يعبأ عادةً بنضال أخلاقي مماثل، فلنستبدله بواحد من الديمقراطيين الكثر الذين يسعون إلى البروز في السباق للفوز بترشيح هذا الحزب للرئاسة، ولا شك أن أجهزة الرقابة التي تتابع وسائل التواصل الاجتماعي ستنشغل كثيراً.

* ريحان سلام

*«ذي أتلانتيك»