تخيلوا معي رجلاً مكافحاً يقترب من عامه الستين، قضى حياته يشقى ويعمل، من أجل أن تعيش عائلته بكرامة، يغادر مكان عمله مسرعاً بسبب توتر الأوضاع، ويسوق سيارته نحو بيته باحثاً عن الأمان، وساعياً للاطمئنان على عائلته، فيفاجأ بحشد من الجنود الإسرائيليين ويحاول تجنبهم، فيتلقى ثمانين رصاصة، فيتفجر دماغه ويتناثر في أنحاء سيارته، ويتحول جسده إلى أشلاء ممزقة.

هذا ما حدث في مدينة البيرة قبل أيام لحلمي العارضة.

Ad

وتخيلوا معي شباناً يافعين عائدين من زيارة عمل لمدينة نابلس، يسوق أحدهم سيارته ساعياً للوصول إلى القدس التي يعيشون فيها قبل حلول الظلام، ويحاول تجاوز الضباب الذي أرخى سدوله على الشوارع فيجد أمامه حاجزاً عسكرياً يغلق الطريق الرئيسي، ويأمره الضابط الإسرائيلي بترك الطريق الرئيسي بحجة أنه مغلق، والتوجه إلى طريق فرعي، فيفعل ليفاجأ بعد قليل بالرصاص ينهمر عليه من المستعمرين (المستوطنين) فيسرع هارباً من رصاصهم ليتلقى من أمامه رصاص جنود إسرائيليين، يجبرونه وزملاءه بعد أن أطلقوا الرصاص على مركبتهم، على الترجل ويضربونهم بأعقاب البنادق ويقيدونهم، فيفشل الشباب في إخراج صديقهم الذي لم يستطع الحراك، لأنه أصبح جثة هامدة بفعل رصاص الجنود.

هذا ما حدث لقاسم العباسي وزملائه بالقرب من مدينة البيرة قبل يومين.

وتخيلوا امرأة مسنة، في السبعينيات، تقود سيارتها ببطء وهي تتوجه لزيارة ابنتها المريضة، تفاجأ بجنود الاحتلال يقفزون أمامها، فترتبك، فيطلق جنود الاحتلال الذين لا تتجاوز أعمار كل منهم العشرين عاما، النار عليها فيردونها قتيلة، دون أن تكون قد فعلت شيئا، أو آذت إنساناً في حياتها.

هذا ما حدث للشهيدة ثروت الشعراوي في مدينة الخليل قبل ثلاثة أعوام.

وتخيلوا معي فتاة يافعة لم تكمل عامها العشرين، مفعمة بحب الحياة والعطاء تتطوع كمسعفة مع جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في غزة، وتملأ المحيط دفئاً بعنايتها المميزة بالجرحى، لا تعبأ بالإرهاق أو التعب، ولا تبحث إلا عن سعادة إنسان تضمد جراحه لتفاجأ برصاصة غادرة من جندي إسرائيلي تخترق صدرها وترديها قتيلة.

إنها الشهيدة رزان النجار.

هناك ما لا يقل عن ستمئة وأربعين حاجزاً عسكرياً، ثابتاً ومتنقلاً، تقطع أوصال شوارع وطرق الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، وكل واحد من هذه الحواجز يمكن أن يتحول إلى مسرح لعملية قتل إجرامية جديدة ضد فلسطيني أو فلسطينية.

ولا تمر ليلة دون أن تقتحم مدرعات وجنود الاحتلال المدن والقرى الفلسطينية ليفاجأ المواطنون بها في شوارعهم وأمام بيوتهم، و لا أحد يحميهم منها، ومن كان حظه سيئاً فسيصبح قتيلاً جديداً برصاصهم دون أن يقترف شيئاً.

هذا غير عشرات العائلات التي تُستباح بيوتها كل ليلة، أثناء عمليات المداهمة والاعتقال التي يقوم بها جيش الاحتلال.

ولا توجد بقعة في قطاع غزة المحاصر آمنة من قصف طائرات أو مدفعية أو سفن الاحتلال، أو رصاص الجنود المنتشرين على التلال والحدود.

ما يقوم به الاحتلال ليس سوى استباحة وحشية للشعب الفلسطيني، ولحياة أبنائه وبناته، ولا يمثل إلا استهانة واستخفافاً بحياة البشر، فقط لأنهم فلسطينيون.

ولا أمان لأحد، ما لم نتكاتف، ونتعاون ونتوحد، في مواجهة منظومة الاحتلال والتمييز العنصري التي استفحلت فاشيتها، ولن تردع إلا بإلغاء حصانتها، وإخضاعها للمحاسبة والمقاطعة.

لا أظن أن أحداً يقبل أن تُستباح حياة ابنه أو ابنته أو أمه أو أبيه، فهل نتكاتف في مواجهة هذا الظلم؟

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية