اتحد محبو الحرب، في اليمين واليسار، في استيائهم من قرار الرئيس دونالد ترامب الجريء والشجاع على نحو استثنائي البدء فوراً بسحب كل الجنود الأميركيين من سورية، ولكن بالنسبة إلى مَن يفضّلون منا السلام، يشكّل مثل هذا القرار بالتأكيد إشارة إلى أن ترامب يستحق دعمنا وامتناننا غير المشروطين بغض النظر عن رأينا في أوجه رئاسته الأخرى.

كانت المرة الوحيدة الأخرى التي وحّد فيها ترامب صقور الليبراليين والمحافظين الجدد عندما أطلق وابلاً عقيماً من الصواريخ الجوالة السنة الماضية على مطار سوري فارغ، رداً على اعتداء مزعوم بالأسلحة الكيماوية على المدنيين.

Ad

لا شك في أن هذا يعكس الوضع المؤسف الذي بلغته وسائل الإعلام الغربية، فرغم مرور سنة، لم نتوصل بعد إلى دليل دامغ على أن الاعتداء بالأسلحة الكيماوية قد نُفذ فعلاً، لكن البعض يتحسر اليوم على قرار ترامب الأخير القاضي بإخراج الجنود من سورية، معتبراً إياه أسوأ من اللحظة التي أعلن فيها الرئيس السابق جورج بوش الابن انتهاء العمليات القتالية الكبيرة في العراق.

بالنسبة إلى مَن يعيش منا في العالم الواقعي، يشكّل قرار ترامب بإخراج الجنود من المستنقع السوري أكثر قرار اتخذه رئيس أميركي بشأن الشرق الأوسط، شجاعة وتعقلاً، منذ أمر أيزنهاور بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالانسحاب من السويس في مصر، إذ يتمركز الجنود الأميركيون في سورية بطريقة غير مشروعة ولا يدافعون عن مصالح أميركية إستراتيجية، بل الأسوأ من ذلك أنهم كانوا يحاربون تنظيم داعش مسلحين جزئياً من إدارة أوباما التي دعمت بتهور مجموعات في محاولة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

أشار ترامب خلال الحملة الانتخابية إلى كل هذه الوقائع ببلاغة لافتة، وكذلك كان الوحيد الذي شدد على العواقب الكارثية التي رافقت التدخلات العسكرية السابقة في أفغانستان، والعراق، وليبيا، إذاً، تشكّل هذه إحدى اللحظات التي يستطيع فيها مَن لا يحبون منا القتل والدمار الاحتفال مرة أخرى بأن هيلاري كلينتون، التي أيدت حملة ليبيا، سخرت بخبث من مقتل القذافي، ودعمت تغيير النظام في سورية، لم تصل إلى البيت الأبيض.

في تناقض حاد، يستند ترامب في قرار سحبه الجنود الأميركيين من سورية إلى تقييم منطقي وإنساني يُظهر أن التدخل العسكري الغربي في الشرق الأوسط ينتهي دوماً بكارثة، لذلك من الضروري أن نتفاداه قدر المستطاع.

ولكن ما لا يقل أهمية واقع أن بقاء الأسد يعني أيضاً أن هجوماً أميركياً أو إسرائيلياً على إيران صار أقل احتمالاً، فلطالما أوضح ترامب، رغم خطابه العدائي، أنه مستعد للقاء القادة الإيرانيين بغية إعادة التفاوض بشأن الصفقة النووية، لنأمل أن يتحدّى مرة أخرى مستشاريه من الصقور، الذين أحاط نفسه بهم، محققاً ذلك النصر الدبلوماسي أيضاً.

*(جون برادلي)