اتخذت السلطات السودانية حزمة إجراءات تضمنت تقييد طباعة الصحف الورقية، وتعليق الدراسة بجامعات ومدارس، وأوقفت عمل مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، بهدف السيطرة على احتجاجات الغلاء، التي انطلقت الأربعاء الماضي، في عدة ولايات، قبل أن تتمدد وتصل إلى العاصمة الخرطوم، أمس الأول.

وأفادت تقارير واردة من السودان أن وسائل التواصل الاجتماعي توقفت عن العمل ليل الخميس - الجمعة.

Ad

ورجحت مصادر متطابقة أن تكون هيئة الاتصالات أمرت الشركات بوقف تطبيقات «فيسبوك» و«واتساب» و«تويتر» و«انستغرام» و«إيمو»، للحد من تناقل الأخبار وصور الاضطرابات التي شهدتها أجزاء واسعة من البلاد منذ يومين، بسبب الغلاء وتردي الأحوال الاقتصادية وشح السيولة وندرة سلع غذائية أساسية.

وترافقت الخطوة مع توجيهات أمنية صدرت للصحف السودانية تمنع تناول أخبار المظاهرات، على نحو يدعمها ويساعد في اتساعها، كما تلقت المطابع أوامر من جهاز الأمن بعدم طباعة أي صحيفة قبل أن تخضع للمراجعة على يد أحد عناصر الجهاز، بما يعني عودة الرقابة المسبقة في ظل احتدام المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن.

تعتيم وهدوء

وجاء التعتيم الحكومي على الاحتجاجات التي تسببت في سقوط قتلى وجرحى وتخريب منشآت عامة ومقار لحزب المؤتمر الحاكم، بعد ساعات من قرار الرئيس عمر البشير تعيين لواء الأمن المتقاعد مصطفى عبدالحفيظ مديراً عاماً للهيئة العامة للاتصالات، خلفاً للمهندس يحيى عبدالله.

وفي السياق، أعلن مدير جامعة «سنار» محمد الخير عبدالرحمن تعليق الدراسة بكليات الجامعة إلى أجل غير مسمى. وأوضح، في بيان للطلاب، أن «توقف الدراسة الذي أقرته لجنة عمداء الجامعة جاء تخفيفا لمعاناة الطلاب في الظروف الحالية»، مستثنيا عددا من كليات الجامعة.

وساد المدن السودانية، صباح أمس، هدوء حذر، وسط انتشار أمني للشرطة والجيش قرب المنشآت الحكومية ومحطات الوقود ومباني البنوك، في حين فرقت الشرطة محتجين نظموا مسيرات في العاصمة الخرطوم، ومدن أخرى بعد صلاة الجمعة.

8 قتلى

في غضون ذلك، ذكرت مصادر طبية أن عدد ضحايا المواجهات التي اندلعت الأربعاء وأمس الأول بين المحتجين والأمن ارتفع إلى 8 أشخاص، وأصيب العشرات في الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الخبز والوقود.

وفرضت السلطات في ولاية القضارف، شرقي البلاد، حالة الطوارئ وحظرت التجوال من السادسة مساء إلى السادسة صباحا، بالتوقيت المحلي، جراء اندلاع مظاهرات. وجاء ذلك بعد أن فرضت حالة الطوارئ في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمال البلاد، التي انطلقت منها الاحتجاجات.

تبرير وحق

في هذه الأثناء، أرجع وزير الإعلام السوداني بشارة جمعة آرور، أعمال العنف، التي وقعت خلال الاحتجاجات، إلى «مندسين حولوا المظاهرات السلمية التي شهدها عدد من الولايات لنشاط تخريبي استهدف المؤسسات العامة والخاصة».

وقال إن «الحكومة لن تتسامح مع أي ممارسات تخريبية، ولن تتهاون في حسم أي فوضى أو انتهاك للقانون».

في المقابل، دعا البرلماني مبارك النور قوات الشرطة إلى عدم استخدام القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، مشيراً إلى أن حق التظاهر مكفول وفقا للدستور.

حركة شعبية

وفي وقت سابق، أعلنت حركة «العدل والمساواة» المعارضة السودانية، مساء أمس الأول، دعمها المطلق للحراك الشعبي في عدد من مدن البلاد.

ودعت الحركة، في بيان، قواعدها وجماهير الشعب في كل مدن وبوادي السودان إلى «طي صفحة النظام الفاسد».

وطالب البيان قوى المعارضة العمل على رصّ الصفوف، وفق برنامج حد أدني لإزالة هذا النظام.

لا صفقات

في السياق، نفى رئيس الوزراء الأسبق والسياسي السوداني البارز، الصادق المهدي، تسلمه أي رسائل طمأنة من جانب النظام أو أي قوى دولية أو إقليمية قبيل عودته لوطنه في ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء الماضي من منفاه الاختياري، والذي تنقل فيه بين أكثر من عاصمة ما بين القاهرة ولندن، مشدداً على أنه لا يزال يمثل إحدى أهم ركائز المعارضة الرئيسية بالبلاد، في مواجهة النظام، وأنه لن يتوقف عن انتقاده.

ورأى المهدي في تصريحات، أمس، أن بعض من وصفهم بـ«العقلاء داخل النظام» اقتنعوا بأن البلاغات المقدمة ضده كيدية، وأنه لا معنى لملاحقته جنائيا. وأكد أنه يرفض التحركات الهادفة لتمديد ولاية البشير أو تعديل الدستور من أجل السماح له بالحصول على ولاية رئاسية جديدة.

ولكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن «البعض بالنظام لا يزال بطبيعة الحال يتوعد ويهدد، وعلى أي حال لقد قررت العودة لوطني لانتهاء مهامي الخارجية، وكما لا تعنيني ولا أركن كثيرا للتصريحات التطمينية، فالتهديد لا يعنيني. وأعلم أن النظام قادر في أي لحظة على تحريك بلاغات قديمة أو تقديم أخرى جديدة، ولذلك فنحن نطالب دائما بالحريات وسيادة حكم القانون، لأنها الضمانة الوحيدة لوقف انتهاكات الحقوق المنطلقة من أهواء الحكام».

واستنكر المهدي، 83 عاما، الاتهام بأن عودته جاءت على خلفية صفقة أو تفاهمات مشتركة بينه وبين النظام، بحيث يؤمن الأخير له العودة الآمنة وإسقاط البلاغات القضائية بحقه تدريجياً، مقابل صمته عن مقترح برلماني لتمديد ولاية البشير وعدم انتقاد نظامه، قائلا: «نحن أزهد عن أي صفقة سرية، ولا نوافق قطعاً على تعديل الدستور للتمديد لولاية أخرى للرئيس. الحديث عن صفقات سرية تلهج به صحف النظام وأبواقه، ويسير به بعض المحسوبين على المعارضة جراء غفلة أو سوء نية، وهو حديث مكرر ضمن سياسة تفتيت المعارضة وزرع الفتن في صفوفها».