رأى عميد كلية الطب ونائب الرئيس التنفيذي للطب والاستراتيجية العالمية بالجامعة الأميركية في بيروت، د. محمد الصايغ، أن السعودية بإمكانها قيادة البلدان العربية إلى تأسيس أو إنشاء مؤسسة عربية تُعنى بجميع عمليات زراعة الأعضاء، سواء زراعة الكلى أو القلب أو الرئة أو الكبد.

واعتبر الصايغ في حواره مع «الجريدة»، أن عودة 200 من الأطباء والعقول المهاجرة إلى الغرب دليل على نجاح خطة 2020، التي تم وضعها في صيف عام 2009.

Ad

وأشار إلى أن ميزانية الأبحاث بالجامعة الأميركية في بيروت تصل إلى 20 مليون دولار سنوياً، مشيراً إلى أن «الميزانيات المرصودة للبحث العلمي في بلداننا العربية ضعيفة جداً». وقال إن الكويت متطورة ومتميزة جداً في زراعة الكلى، ومن أولى الدول التي أجرت هذه العمليات، قبل حوالي 4 عقود.

وأكد د. الصايغ وجود حلم يتطلع إلى تحقيقه ورؤيته، وهو إنشاء وتأسيس مؤسسة أكاديمية عربية للبحث العلمي في مجال الطب، يكون هدفها الرئيس البحث وإيجاد باحثين عرب، مشدداً على أنه «من دون بحث علمي لا توجد دولة».

وذكر أنه لا توجد أي محاذير شرعية فيما يخص زراعة الأعضاء، لكن المشكلة تكمن في الثقافة السائدة، التي تحتاج إلى تغيير، لأن زراعة الأعضاء تُنقذ حياة مريض بحاجة ماسَّة لها. وفيما يلي نص الحوار:

* ما الهدف من زيارتكم للكويت؟

- بداية، أنا طبيب متخصص في زراعة ومناعة الأعضاء، تخرَّجت في الجامعة الأميركية ببيروت عام 1984، وقضيت حوالي 22 عاما في جامعة هارفارد، وكنتُ رئيسا لمركز زراعة الأعضاء فيها، كما

عملتُ فترة طويلة في "كليفلاند كلينك"، وفي عام 2009 عُدت إلى بيروت عميدا لكلية الطب ونائبا لرئيس الجامعة للشؤون الطبية.

أنا في الكويت لتسلم جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بمجال العلوم الطبية عن أبحاثي في مجال زراعة الأعضاء ومناعة ورفض الجسم لها، وقد نشرتُ مئات الأبحاث حول هذا التخصص، وأجريتُ مئات العمليات، وكتبتُ آلاف المقالات العلمية حول كيفية جعل الجسم يتقبَّل الأعضاء المزروعة.

ومن خلال جريدتكم أتقدَّم بالشكر للكويت أولا، ثم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، لمنحي هذه الجائزة. ومن الجميل أن زوجتي حصلت على نفس الجائزة من المؤسسة ذاتها قبل سنوات، لكن في تخصص طبي آخر، وهو علم الأعصاب.

وقد ألقيتُ محاضرة علمية في معهد دسمان للسكري، وهو تابع كذلك لـ"التقدم العلمي".

* كخبير عالمي في علم المناعة وزراعة الأعضاء، كيف تجد الوطن العربي في هذا التخصص؟

- فيما يخص زراعة الأعضاء بالعالم العربي، تكمن المشكلة في نقل الأعضاء والمتبرع، وما إذا كان المتبرع حيا أو متوفى. ورغم أن نقل الأعضاء في العالم العربي يواجه تحديات كثيرة، فإن السعودية والكويت متميزتان جدا في زراعة الأعضاء، وتحديدا في زراعة الكلى.

لكن بشكل عام، هناك تحسن كبير في تخصص زراعة الأعضاء بالبلدان العربية، والكويت من أولى الدول بالوطن العربي في زراعة الكلى، ويعود ذلك إلى عام 1979.

نقل الأعضاء في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا أسهل بكثير من بلداننا العربية، كما أن السعودية بإمكانها "نقل" كلى إلى دول كثيرة في الخليج، مثل: الكويت والبحرين وغيرهما، لكن نطمح إلى أن تتسع هذه الفكرة على مستوى الوطن العربي كله.

محاذير شرعية

* هل هناك محاذير شرعية بخصوص الزراعة تواجه هذا التخصص في الوطن العربي؟

- لا توجد أي محاذير شرعية، فرجال الدين والأئمة، سواء في السعودية أو مصر، ليس لديهم أي رفض لفكرة زراعة الأعضاء، لكن المشكلة في الثقافة السائدة التي تحتاج إلى تغيير، حيث إن زراعة الأعضاء تُنقذ حياة مريض بحاجة ماسَّة لها.

وللعلم، فإن زراعة الأعضاء من الأقارب والأحياء أفضل بكثير، ونفضِّل ونشجع أن تكون من الزوج إلى الزوجة أو العكس.

كثير من الدول تجرِّم بيع الأعضاء، بهدف الاستغلال المادي لبعض الفقراء، وإن كان هذا الاستغلال يجري في بعض الدول، فلابد من سنِّ تشريع من الدولة يمنع استغلال الفقراء في بيع الأعضاء، ويجب أن تكون هناك غرامات شديدة ضد مَن يحاول استغلال الفقر والفقراء.

معظم الدول الآن لديها قوانين تمنع الناس من بيع أعضائهم، خصوصا الفقراء، وهناك دول تقدِّم امتيازات للمتبرعين من الفقراء، لكن ليس على شكل أموال، لأن الهدف الأسمى للتبرع هو العطاء وإنقاذ حياة إنسان يحتاج إلى الحياة، وليس الحصول على المال.

ومن واقع خبرتي وتجربتي مع هذا التخصص منذ سنوات طويلة، يُقال إنه في سورية، وبسبب الحرب الدائرة هناك منذ حوالي 6 سنوات، يأخذ البعض جثث الموتى، جراء تلك الحرب، ويستغلها في زراعة الأعضاء، ومن ثم الحصول على المال.

الشيء المهم جدا هو ضرورة عدم استغلال الفقراء في مسألة التبرع، فأميركا، على سبيل المثال، لديها مؤسسة لتنظيم عمليات التبرع بالأعضاء لمصلحة كل المواطنين، ولا يُسمح بالاستغلال مطلقا. وفي وطننا العربي أرى أن السعودية بإمكانها قيادة البلدان العربية في تأسيس أو إنشاء مثل هذه المظلة العربية، لإجراء جميع عمليات الزراعة، سواء زراعة الكلى أو القلب أو الرئة أو الكبد. ونحن بحاجة ماسَّة إلى رؤية هذه المنظمة أو المؤسسة العربية، ولابد من التعاون والتنسيق العربي لمحاولة إخراجها إلى النور.

خطة 2020

* عقب عودتكم إلى بيروت في عام 2009 وضعتم خطة طموحة عُرفت بخطة 2020، فإلى أين وصل تنفيذها؟

- هذه الخطة تم وضعها عقب العودة إلى لبنان في عام 2009، ويشمل برنامجها؛ النهوض برعاية المرضى والتعليم الطبي والأبحاث إلى مستويات غير مسبوقة بمنطقة الشرق الأوسط. لقد وجدت هذه الرؤية الاستراتيجية، ذات الأهداف الواضحة وإجراءات التنفيذ المعقدة، قدرا كبيرا من الدعم المحلي والإقليمي والعالمي. وتجلى تحقيق رؤية 2020 في عدة طرق، ويُعد نموذج التوظيف الناجح وعودة الأدمغة المهاجرة دليل على نجاح هذه الخطة، التي سمحت منذ صيف عام 2009 باجتذاب أكثر من 200 أستاذ للعودة إلى لبنان، للانضمام إلى الجامعة الأميركية في بيروت، وقد قدموا من مراكز طبية أكاديمية رائدة في جميع أنحاء العالم، ليكونوا جزءا من هذه الرؤية الرائدة.

ويقود المركز الطبي هذا الجهد، من خلال إنشاء مراكز تميز رائدة في مجالات تؤثر على شعوب المنطقة بأكبر قدر ممكن، من خلال اتباع نهج متكامل ومتعدد التخصصات. ويمكن القول إننا حققنا الكثير من الطموح في هذه الخطة.

معهد الصحة العالمية

* أين وصل حلمكم بخصوص معهد الصحة العالمية في بيروت؟

- هذا المعهد هو الأول من نوعه بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسيشكِّل مركزا للبحوث متعددة التخصصات وبناء القدرات والخدمة المتفانية وحاضنة للحلول الموجهة للتحديات الصحية العالمية الناشئة من الجنوب العالمي.

ويضم المعهد حاليا 3 برامج متعددة التخصصات يديرها أعضاء هيئة التعليم من وحدات صحية مختلفة من الجامعة الأميركية في بيروت، وهي: برنامج طب الصراعات، وبرنامج صحة اللاجئين، وبرنامج التغذية والسمنة والأمراض المرتبطة بها. ورغم أنها جديدة نسبيا، فإن هذه البرامج تحدث تأثيرا كبيرا في مجال الصحة العالمية، وينظر حاليا في برامج إضافية مؤثرة مرشحة للتنفيذ خلال السنوات القليلة المقبلة.

نركز كثيرا على قضايا اللاجئين، وعملنا مشروع "سجلي" للنازحين السوريين في لبنان، وهو مشروع عملاق لنحو 10 آلاف نازح، وفي حال نجاحه، فإننا سنعمم هذه التجربة في أماكن مختلفة، وسنتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في مشاريع مماثلة.

الحروب تخلق أمراضا متعددة، وبدأنا نلاحظ أمراض الكوليرا والليشمينيا في بعض الدول العربية التي توجد بها صراعات، وهذه الأمراض لن تبقى في دولها، لكن ستنتقل إلى دول الجوار بلا شك.

* تتطلعون إلى أن يصل مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت إلى الأفضل في المنطقة، فهل تحقق هذا الحلم؟

- حينما تركت جامعة هارفارد، وقررت العودة إلى بيروت في عام 2009، كان لدي هدف واحد، هو حصول المواطن اللبناني والعربي على نفس المستوى الطبي الذي يحصل عليه المواطن الأميركي أو الأوروبي، فلدينا نفس الإمكانيات الموجودة في الغرب، والمستشفى الجامعي في بيروت يضاهي المستشفيات الأميركية، ولدينا أطباء عرب متميزون جدا، خصوصا في زراعة الأعضاء.

أعتقد أن الحلم يتحقق يوما بعد يوم. الجامعة الأميركية في بيروت من أفضل الأماكن البحثية في المنطقة، بها 400 طالب طب و500 متمرن، وهي ثروة عظيمة جدا، لذلك لا توجد أي مشكلة طبية عصية على الاكتشاف. كما أن لبنان يخرِّج نحو 700 طبيب سنويا يذهب كثير منهم للعمل في دول الخليج وحتى في أوروبا.

* يعاني الكثير من الكويتيين أمراض السكري والفشل الكلوي، ما يتطلب إجراء عمليات زراعة كلى وغيرها، فهل هناك تعاون بين الجامعة الأميركية في بيروت والكويت بهذه المجالات؟

- هناك تعاون، لكن ليس على مستوى الطموح. ومن هنا، أؤكد أن التنسيق مع الكويت في تلك المجالات ضروري وحيوي، ولابد أن يكون أوسع وأكبر خلال المرحلة المقبلة.

وفيما يخص زراعة الأعضاء ونجاحها، فذلك يحتاج إلى فريق متكامل، ومن دون هذا الفريق لن يُكتب النجاح لهذه العمليات.

التعاون لابد أن يكون على نطاق واسع وشامل، وعلى مستويات متعددة، بحيث يشمل الجامعات والمؤسسات الطبية والبحثية والأكاديمية، وحتى مؤسسات المجتمع المدني، وتحت مظلة وزارتي الصحة في كلا البلدين.

ميزانية الأبحاث

* ما ميزانية الأبحاث في جامعتكم؟

- الوطن العربي بشكل عام ضعيف فيما يخص البحث العربي وإنتاجه، وأنا أرى أن الدولة التي لا تجري أبحاثا علمية غير قوية، فعلى سبيل المثال مركز زراعة الأعضاء في جامعة هارفارد، والذي كنت أترأسه، كان مخصصا 20 مليون دولار سنويا كميزانية للأبحاث، وهو نفس الرقم المخصص لميزانية الأبحاث بالجامعة الأميركية في بيروت.

* كثير من المرضى العرب يذهبون إلى الخارج لإجراء عمليات زراعة الأعضاء، فهل تكون بيروت مكانا لجذب هؤلاء المرضى؟

- لم يعد الذهاب للخارج بقصد زراعة الأعضاء كما في السابق، فقد خف جدا ذهاب المرضى العرب للخارج بهدف زراعة الأعضاء، فكثير من البلدان العربية تقوم بإجراء تلك العمليات بنجاح كبير، مثل: السعودية والكويت ومصر وإيران. البعض يذهب إلى دول بعينها، بقصد الحصول على متبرع، لكن الصعوبة في رفض الجسم للعضو الجديد، وهنا تكمن أهمية الفريق الجراحي المتكامل، فزراعة العضو ليست صعبة أو معقدة، خصوصا زراعة الكلى، لكن الأهم مرحلة ما بعد الزراعة.

* تمثل عمليات زراعة البنكرياس أملا كبيرا للمرضى، فما الجديد في هذا الموضوع؟

- عمليات زراعة البنكرياس تجرى، لكن على النوع الأول، أو ما يُسمى سكري الأطفال. أما النوع الأكثر شيوعا، وهو النوع الثاني، فليس له زراعة، والحل ليس في زراعة البنكرياس، بل في علاج السكري، من خلال التغذية الصحية وممارسة الرياضة وتجب السمنة وغيرها.