رغم أنه من النادر أن يعترف حتى بأقل درجات عدم الرضا فيما يتعلق بالوظيفة التي خطط للحصول عليها بطرق غير مسبوقة وتمكن من نيلها بطريقة أو بأخرى (بفضل تقلبات نظام المجمع الانتخابي الأميركي)، فإن رئاسة دونالد ترامب لم تكن سهلة على الإطلاق، ولكن لم يسبق له قط في أي أسبوع منذ تولى الرئاسة أن تحيطه المشاكل والعديد من الأمور التي تنذر بعواقب سيئة كما هو الحال هذا الأسبوع.

لقد وجدت وزارة العدل التابعة لترامب نفسه منذ أيام أن ترامب متورط في جناية، وذلك على أساس توصيات الحكم المتعلق بمدير حملته السابق بول مانفورت من قبل المستشار الخاص روبرت مولر والحكم المتعلق بمحامي ترامب السابق فترة طويلة ومستشاره المثير للجدل مايكل كوهين من قبل مكتب الادعاء الأميركي للمنطقة الجنوبية في نيويورك. إن التداعيات الواضحة في كلا التقريرين توحي بأن ترامب نفسه سيكون في نهاية المطاف هدفاً لتهم خطيرة علما أنه يعتقد على نطاق واسع أن بعض أفراد عائلته يمكن أن يتم توجيه اتهامات إليهم أيضا.

Ad

قبل ذلك اضطر ترامب أن يجلس مع ثلاثة رؤساء سابقين لحضور جنازة الرئيس جورج بوش الأب، وخلال الجنازة كانت هناك إشادة ببوش لأنه عكس ترامب تقريباً في الأسلوب والسلوك، وكان يبدو على ترامب أنه يتمنى أن يكون في أي مكان آخر، وفي الوقت نفسه فإن كل مكاسب سوق الأسهم لهذا العام تبخرت، وذلك بسبب انهيار الهدنة التجارية المزعومة لترامب مع الصين.

كان من الواضح كذلك فقدان ترامب لسيطرته على الكونغرس بشكل كبير، إذ استمرت مكاسب الديمقراطيين في مجلس النواب في الارتفاع (آخر رقم هو 40 مقعداً وهو رقم رائع) بينما يتم الإعلان عن نتائج الانتخابات في الأماكن التي كان فيها التصويت متقارباً جداً خلال الانتخابات النصفية الشهر الماضي، علما أن تلك النتائج تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي.

ولاحقا جاءت الدعاوى المقدمة من مولر ومكتب الادعاء الأميركي لمنطقة جنوب نيويورك، والتي كشفت عن أمور كان الكثيرون يشتبهون في حصولها منذ فترة طويلة، ولكن على الرغم من ذلك تبقى الحقيقة صادمة عندما تظهر، فلقد استخدم ترامب وعائلته أو حاولوا أن يستخدموا حملته الرئاسية، ومن ثم منصبه الرئاسي لتعزيز ثروتهم الخاصة، ولقد عرفنا أخيرا المعلومات المحرجة التي كان بوتين يعرفها بشأن ترامب، حيث أخبر كوهين الادعاء العام بأن ترامب سعى لفترة طويلة إلى بناء فندق ضخم ومربح جدا في موسكو، وكان يتوجب الحصول على الإذن ببنائه من الكرملين (كان من المفترض أن تكسب روسيا الكثير من الأموال من ذلك المشروع ).

لقد ذكر كوهين للجنة من الكونغرس أن محاولات ترامب من أجل الحصول على صفقة الفندق انتهت في بداية سنة 2016، ولكنه اعترف لاحقاً بأن المحادثات استمرت حتى يونيو من ذلك العام، وذلك بعد أن تمكن ترامب من الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة على الرغم من أنه ذكر مراراً وتكراراً منذ دخوله السباق الانتخابي في يونيو 2015 أنه لا يوجد لديه أي علاقات تجارية مع روسيا.

لقد سلطت شهادة كوهين الأضواء على احتمالية أن جوانب مختلفة من السياسة الخارجية الأميركية بما في ذلك بيانات تفضيلية عن قادة سلطويين محددين وطريقة معاملتهم يمكن أن تكون قد تأثرت بالمصالح التجارية الخاصة لترامب – الحالية أو المستقبلية – في تلك البلدان بما في ذلك تركيا والفلبين والسعودية بالإضافة إلى روسيا وفي الوقت نفسه فإن فنادق ترامب وخاصة فندقه الجديد الباهظ الثمن بالقرب من البيت الأبيض يتعامل تجاريا مع عدة بلدان. إن هذا مهم على نحو خاص لأن ترامب بعكس الرؤساء الذين سبقوه، رفض الفصل بينه وبين عمله الخاص عندما تولى الرئاسة (على الرغم من أنه سلم إدارة ذلك العمل إلى ابنيه البالغين) وعليه فمن المفترض أنه حصل على مكاسب من خلال الأعمال التجارية التي تقدمها تلك البلدان، إن هذا يشكل انتهاكا لبند المكافآت في الدستور الأميركي والذي يمنع الرئيس من قبول الهدايا من الدول الأجنبية، لقد تم رفع اثنتين من الدعاوى القضائية فيما يتعلق بهذا الأمر ضد ترامب علما انهما قد يشكلان أساسا كذلك لخلعه.

إن الفساد يمتد للدائرة المقربة حول ترامب فابنته ايفانكا حصلت على علامات تجارية من الصين لخط الملابس العائد لها ( والذي لم يعد موجودا الآن، ولكنها احتفظت بتلك العلامات التجارية وسعت للحصول على علامات تجارية جديدة)، أما زوجها كوشنير فمن المعتقد انه قد استخدم موقعه لمحاولة الحصول على اموال من اجل تسديد ديون كبيرة تكبدها نشاط العقارات العائد لعائلته، كما ان كوهين قد قام فعليا ببيع قدرته المفترضة على الوصول لترامب للشركات التجارية بمبلغ 4 ملايين دولار أميركي (ولكن من غير الواضح حتى الآن مدى قيامه بذلك).

لقد كان كوهين هو الذي أخبر الادعاء العام لنيويورك أنه بتوجيهات من ترامب (والتي تشير إليه المستندات القانونية بالشخص 1) قام بترتيب دفع مبالغ مالية لامرأتين بعد تورطهما في علاقات عاطفية مع الرئيس، على الرغم انه كان في تلك الفترة متزوجا من ميلانيا (بما في ذلك بعد وقت قصير من إنجابها لابنهما بارون). إن الهدف الواضح من تلك الدفعات هو ألا يعرف الناس عن تلك العلاقات قبل الانتخابات، وهذا يترك ترامب معرضا لاتهامات بارتكاب جناية انتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأميركية.

لقد اكتشف كوهين بعد طول معاناة أن العمل مع ترامب ليس بالأمر السهل مما يفسر لماذا القليل من الناس – باستثناء ابنته وزوجها - قد استمروا طويلا في البيت الأبيض، بالنسبة لترامب فإن الولاء هو طريق واحد فقط يصب لمصلحته ولم ينته هذا الأسبوع إلا بالمزيد من المشاكل لترامب، وهذه المرة تتعلق بحاجة ترامب إلى إيجاد بديل لرئيس موظفي الرئاسة جون كيلي، والذي أعلن الرئيس أنه سيترك منصبه في نهاية العام (وكلاهما بالكاد يتحدثان مع بعضهما).

إن تصرفات ترامب الغريبة جدا مؤخرا – بما في ذلك زيادة عدد التغريدات التي أصبحت هستيرية بشكل أكبر- تعزى على نطاق واسع لإدراك ترامب المتزايد للأبعاد المهمة لسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب بالنسبة لرئاسته، فرؤساء اللجان الديمقراطية القادمين ذكروا أنهم يخططون للتحقيق في العديد من المخالفات الحقيقية أو المشتبه في ارتكابها من قبل ترامب وعدد من أعضاء إدارته، كما أن إمكانية أن تقوم اللجنة القضائية بالمجلس بمناقشة مسألة الخلع قد أصبحت أقوى مع ظهور الاتهامات الأخيرة.

لقد كان من الواضح أن الانتخابات الرئاسية الأميركية سنة 2016 قد تم التحكم بها من خلال أحداث استثنائية علما أن شرعية ذلك من عدمها هي الآن مسألة قانونية تؤثر على الرئيس، وعلى الرغم من أنه لم يتم توجيه التهمة رسمياً له بالتآمر – عادة ما يشار إليها بالتواطؤ– مع روسيا للتدخل نيابة عنه في مقابل مواقف سياسية أميركية يرغب بها بوتين (مثل إضعاف الناتو والاتحاد الأوروبي)، فإن الدعاوى القانونية الأخيرة لمولر توحي بأن تحقيقاته تمضي في هذا الاتجاه، ولو توصل إلى ذلك الاستنتاج فإن أسابيع أسوأ تنتظر ترامب.

* إليزابيث درو

* مديرة تحرير مشاركة ومؤلفة إصدارات كان آخرها "مجلة واشنطن : التغطية الإخبارية لووترغيت وسقوط ريتشارد نيكسون".

«بروجيكت سنديكيت،2018» بالاتفاق مع «الجريدة»