ما منطلقاتك العامة في الكتابة، وما أكثر ما يشغل بالك حين تبدأ كتابة عمل إبداعي جديد؟

يتكرر دوماً على أسماعنا أن الغرض الجوهري من الكتابة تحقيق المتعة الذاتية بمعزل عن القارئ، بينما ما نراه بالعين معاكس تماماً لما تنطق به ألسنة كثير من الكتاب! فقد يتحوّل، لاحقاً، هذا الاهتمام المتصاعد بالمتلقي/ القارئ إلى درجة من الهوس المرضي، ما يؤثر سلباً في روح النتاج الإبداعي وفي جودة النصوص الأدبية. أن تكون كاتباً، يجب أن تكون أولاً وقبل كل شيء صادقاً مع ذاتك ومتصالحاً مع حقيقة ما تؤمن به.

Ad

أنطلق في جلّ كتاباتي من الموضوعات التي تهمّ الإنسان العربي، مهما كان عرقه أو لونه أو انتماؤه أو اعتقاده. أحترم الاختلاف وأنبذ العنف والاستبداد. أكتب عن المجتمع الذي أعيش فيه، من داخله وليس من خارجه، أبتعد عن ممارسة أية وصاية على القارئ أو على النص، مهما كان نوعها، كذلك أحاول أن أتحرَّر من رقابة المجتمع ورقابة السياسي، كي أمنح لنفسي الحرية الكافية للإبداع، وأتيح لأعمالي ونصوصي المبررات والمسوغات التي تجعلها قادرة على الوجود والبقاء والاستمرار مهما تعددت المجتمعات أو تطورت، ومهما استمرّت أو تغيّرت الأنظمة السياسية الحاكمة. كذلك فإن القارئ حاضر في ذهني في جميع مراحل الكتابة، ولكن بتفاوت في كل مرحلة؛ من خلال الافتراض بأن القارئ ذكي ويجب احترام عقله.

رواية ووجهات نظر

ما السبب وراء الأصداء الواسعة التي أحدثتها روايتك الصادرة أخيراً «زوج بغال»؟

صدرت «زوج بغال» حديثاً في بيروت في طبعة مشتركة بين «منشورات ضفاف» اللبنانية و»الاختلاف الجزائرية»، وقبل أيام فقط كان أول لقاء لي مع القراء في احتفال التوقيع المنظم على هامش صالون الجزائر الدولي للكتاب 2018، ثم تتالت اللقاءات مع القراء.

لمست اهتماماً كبيراً بالموضوع الذي تناولته الرواية، خصوصاً مع التوتر السياسي بين المغرب والجزائر، والحدود المغلقة بين البلدين في معبر «زوج بغال». ومن جهة أخرى، هذا الاهتمام بالرواية ليس في الساحة الثقافية بالجزائر فحسب، بل من القراء بالمغرب وبمختلف الدول العربية؛ تصلني رسائل منهم باستمرار، يسألون فيها عن كيفية حصولهم على الرواية، وعن الأماكن المتوافرة فيها، وهل الرواية متوافرة في بلدان إقامتهم أم لا؟ أما في مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، فتراوحت الاستجابة بين التنويه بأهمية العمل والتحمس لقراءته، والإشادة بجرأة الطرح وشجاعة الكاتب، وبين السب والشتم والقذف والتخوين!

هل يمكن للأدب أن يكون وسيلة لتقريب وجهات النظر السياسية في ضوء ما تطرحه روايتك بشأن إشكالية الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب؟

الأدب قادر من خلال الرواية على الإسهام في دعم التغيير، وهي إذ ذاك تسهم بدرجة أكبر من غيرها، مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى، نظراً إلى حساسيتها وقدرتها على تناول مواضيع شتى، بالإضافة إلى ما تعرفه من قبول وانتشار واسع بين مختلف فئات المجتمع من دون استثناء.

لا أخفيك سراً إن قلت لك: إن ما طرحته في «زوج بغال»، يدخل في إطار محاولة إذابة جبل الجليد في العلاقات بين البلدين (المغرب والجزائر)، وكمساهمة في ردم هوّة الصراعات والنزاعات التي لا مبرر منها. أردت أن أقول من خلال هذا العمل إن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا؛ تاريخ مشترك، وعادات وتقاليد واحدة، واللغة نفسها، وثقافة مشتركة.

خيال وأحلام

هل تعد هذه الرواية عملاً توثيقياً لفترة تاريخية تأجج فيها الصراع الثنائي بين البلدين، أم أن هذا مجرد خلفية لبُعدٍ آخر يحمل رسالة ما؟

هي عمل أدبي يقوم بالأساس على التخييل غير المنقطع عن الواقع وأسئلته الملحة، وهي بعيدة كل البعد عن التوثيق لمختلف المراحل التي عرفتها العلاقات المغربية الجزائرية. فالرواية لم تخض في تفاصيل الخلفيات السياسية لقرار إغلاق الحدود وما سبقه من أحداث مؤلمة بين البلدين، كي لا تغرق في جدال عقيم، من أسبق الدجاجة أم البيضة؟ ومن الذي أخطأ أولاً؟ خياراتي الفنية جنبتني الدخول في متاهة لا مخرج لها. طبعاً كلاهما (أي المغرب والجزائر) خاسر من استمرار الأزمة. لذلك فضّلت الحديث عن التفاصيل والمآسي والجراح. فضّلت الانتصار للجانب الإنساني على السياسي في روايتي. كذلك حرصت خلال كل فصول الرواية على الحياد والموضوعية في تناول هذا الموضوع الحساس، بمعنى: لم أُرد أن أكون بوقاً لأي طرف. تناولت الموضوع بعيداً عن العصبية والتحيز، فغالبية النقاشات والقراءات الإعلامية التي تناولت الأزمة الجزائرية المغربية تقع للأسف، بقصد أو من دون قصد، في فخ التحيز والانتصار إلى وجهة النظر الرسمية للحكومة التي ينتمي إليها صاحبها. وعندما تقرأ المقالات في الصحف المغربية أو الجزائرية (الرسمية أو المستقلة)، ليس بإمكانك أن تفرقها عن بيانات وزارتي خارجية البلدين.

إلى أي مدى أنت منشغل بأحلام المواطن العربي وهمومه، وكيف ترصد ذلك في كتاباتك؟

حينما أكتب أحاول قدر الإمكان أن أعبِّر عن هموم الإنسان العربي، عن خيباته وانكساراته عن آماله وأحلامه المسروقة، متحرراً بذلك من الإكراهات والتابوهات كافة. وفي سبيل ذلك، أتمرّن باستمرار على عدم الخضوع إلى الرقابة الذاتية، رقابة الكاتب على نصه قبل أن يصل إلى المتلقي أكبر خطر (في اعتقادي) يتهدد الإبداع في جوهره ويفقده جدواه، كما سبق وذكرت بأنني أحاول أن أتحرر أثناء مرحلة الكتابة من رقابة المجتمع ورقابة السياسي.

«خرافة الرجل القوي»

عناوين أعمال بومدين بلكبير لافتة ومن بينها «خرافة الرجل القوي»... يقول بشأن هذه الرواية: «بالنسبة إليَّ، يعدّ العنوان إحدى أهم عتبات النص، لذلك أحرص على الاهتمام باختيار عناوين مؤلفاتي، حتى تتقاطع وتعبر بصورة أكثر صدقاً عن مضامينها. يتمظهر في رواية «خرافة الرجل القوي» (منشورات ضفاف اللبنانية، 2016)، كثير من الأفكار، كالعلاقة بين الشرق والغرب من خلال نظرة الشرقي إلى الآخر الغربي، والعكس. كذلك تشتغل الرواية على الهوية والإثنيات، ويتمظهر ذلك في الزواج بين العرب والقبائل/الأمازيغ، حيث ما زالت الهوية على هذا الأساس في الجزائر محل إشكال كبير وتنازع بين هويات متنوعة، عرفت العلاقة بينها صراعات وتجاذبات».