ما يحدث -لا في فرنسا فقط، بل في معظم دول الكرة الأرضية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية- يدل على أن العالم قد أصابه الاهتراء، وأن الرأسمالية بما وصلت إليه لم تعد صالحة، وأنه لا بد من التغيير، وبالطبع فإن المعروف أن الشيوعية كنظام اقتصادي وسياسي كانت قد سقطت بسقوط الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، وإن الصين بدورها قد وصلت إلى خط النهاية، ومعها باقي من تبقى من الذين باتوا يتحدثون عن ماركس وإنجلز ولينين وعن ماوتسي تونغ على استحياء، وهم يغطون عيونهم بأكف مرتجفة!

إنه غير ممكن أن تستمر هذه الأوضاع المتردية في العالم كله، فهناك "انحصارٌ" للثروة في أيدي أقلية متوحشة، وهناك فروق طبقية هائلة أصبح التحايل عليها غير ممكن. وهذا، للأسف، بات يشمل دول العالم الثالث، التي نخر عظامها "الهبش" والاحتيال والسرقات العلنية والسرية، حتى أصبحت شعوبها تتضوّر جوعاً ومسغبة، في حين أن أثرياءها يواصلون عمليات السلب والنهب والاحتيال وبطرق بدائية... وعلى عينك يا تاجر.

Ad

كانت ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968 ثورة سياسية قادها اليسار، على أساس أنّ الحل لمشاكل الفقر والمجاعات والفروق الطبقية هو بالنظام الشيوعي وبالماركسية - اللينينية وبأفكار ماوتسي تونغ، لكن بانهيار الاتحاد السوفياتي، ومعه كل دول أوروبا الشرقية، وغروب شمس هذا النظام في العالم كله، جاء أصحاب "السترات الصفراء" في فرنسا ليؤكدوا أنه لا بد من نظام جديد، لا هو شيوعي ولا اشتراكي ولا رأسمالي متوحش أيضاً، بل نظام عدالة لا يجوز أن يكون فيه من يختلس لقمة عيش الفقراء ليكدّسها أموالاً متراكمة في البنوك الغربية.

وعليه، يجب أن يكون واضحاً ومعروفاً أن ما جرى وما يجري في فرنسا سيشمل العالم كله، وفي مقدمته دول العالم الثالث، الذي وصل فيه النهب والسلب إلى أوضاع لم تعد تطاق، إذْ إنّ ما يُسرق من جيوب الجوعى والفقراء قد تحول لمليارات الدولارات، التي -من قبيل الإمعان في الاستهتار بالشعوب المغلوبة على أمرها- تأخذ طريقها إلى البنوك الغربية، التي غدت متخمةً بالأموال المختلسة والمسروقة من جيوب أبناء العالم الثالث.

وهكذا، فإن ما أصبح واضحاً ومعروفاً هو أنّ عمليات "التدليس" و"الرشوات" المعيبة لم تعد تنطلي على أصحاب البطون الخاوية، وأن هؤلاء الذين يواصلون ثورتهم "الصفراء" في فرنسا أصبحوا عنواناً حتى لشعوب العالم الثالث، ومن بينها الشعوب العربية التي لم تعد هناك إمكانية للتحايل عليها، بالطرق البدائية السابقة... واللهم فاشهد... وإنّ غداً لناظره قريب!