"غرفة واحدة لا تكفي"، عنوان رواية الكاتب والشاعر والقاص الإماراتي سلطان العميمي، وهي روايته الثانية من بعد روايته الأولى ذات العنوان الغريب "ص ۔ ب 1003"، وله أيضاً ثلاث مجموعات قصصية هي: الصفحة 79 من مذكراتي،

وتفاحة الدخول إلى الجنة، وغربان أنيقة.

Ad

"غرفة واحدة لا تكفي"، عنوان لا يحيل إلى مضمون الرواية، كما توقعت في بداية القراءة، صحيح أن الرواية تدور حكايتها بغرفة واحدة طوال فترة سردها، لكنها تشترك مع عنوانها فقط بكلمة غرفة، هذه الغرفة التي بنى المؤلف أحداث روايته من بدايتها إلى نهايتها بسرد درامي مترابط محكم في بناء شخصياته، وإن كان حقيقة الأمر هي شخصية واحدة لا غير، يكتشف القارئ حقيقتها بصفحات الرواية الأخيرة.

الرواية وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية 2017 وهي تستحق أن تصل إلى القائمة القصيرة، لأنها مكتوبة بطريقة تناسب متطلبات الكتابة بهذا العصر من سهولة وتشويق، لكنها في ذات الوقت حفرت بموضوعها بشكل عميق وجاد.

فكرة الرواية مبتكرة وتقدم الكاتب وموضوع كتابته بطريقة جديدة لا أظن أن هناك من فكّر بها بهذا الشكل المجسد بالنحت الحي للشخصية المتخيلة لدى كاتبها، هناك كتّاب كثيرون فكّروا بشخصياتهم خلال وقت تجسدها حتى نهايتها وأفولها، لكن العميمي لم يكتف بتخطيط مسار حياة بطله حتى نهايتها، بل جسّدها خارج الورق كأنها حقيقة حية، وجعل بطله يراقب حياة مؤلفه من خلال ثقب مفتاح الغرفة التي حبسه فيها، متخيلاً طوال الوقت أن المؤلف قد اختطفه من مكان ما وسجنه بغرفة ملاصقة لغرفته: "من حبسني احتاط جيدا ليضمن عدم فراري، الباب مقفل ويصعب خلعه أو كسر قفله. الغرفة بلا نوافذ، ولا وجود لأدوات معدنية حادة كالسكاكين كي تعينني على الهرب".

الرواية متقنة بتشويقها وربط القارئ حتى نهاية صفحتها بغموض الوضع وبتشتيت ذهنه بحكايات جانبية، يكتبها في مذكراته الشخصية التي خلقها المؤلف وحبسها في غرفة مجاورة لغرفته، وجعلها تتلصص على المؤلف طوال الوقت، وتكتب سيرتها المتخيلة عن جدها الأول قرواش الذي يستيقظ أيضا ليجد نفسه مسحورا إلى ثور يعمل طوال الوقت، ثم تنتهي فترة سحره ليجد نفسه تحت شجرة وليعيده الناس إلى قريته، وفي حكاية أخرى يعيش في بيت مرجاني بقاع البحر، وتتعدد التفسيرات لقصة غياب الجد قرواش واختفائه وثم عودته.

ويقتنع في النهاية بالتحليل الذي يقدمه له صديقه المتخصص بالطب النفسي، الذي قدّم له وجهة نظر مخالفة لما قاله الرواة: "إذ كان يرى أن ما تعرض له جدي لم يكن سحرا، بل نوعا من الاضطرابات النفسية التي يتسبب بها خلل كيميائي في المخ".

كل هذه القصص من قرواش الأول الذي صحا ليجد نفسه قد تحول إلى ثور، وقرواش الثاني الابن الذي يُقلب اسمه مرتين باختفاء والده، ثم بعودته ثم بعد موته، وقرواش الحفيد الذي صحا من نومه ليجد مؤلفه قد اختطفه وسجنه في غرفة مجاورة لغرفته.

كل هذه القصص التي يرويها الشخص المختطف، وإلى جانبها مراقبة حياة المؤلف وما يفعله من لحظة دخوله إلى غرفته وحتى وقت نومه ثم استيقاظه في الصباح وذهابه إلى عمله، بما فيها من تسجيل محادثاته التلفونية ومشاهدته لأفلام سينمائية وشربه وأكله وحمامه، كلها تعمل لمصلحة إلهاء القارئ وتشتيت تفكيره في حكايات متعددة تجعله لا يكتشف حقيقة الشخصية المحبوسة التي ليست إلا من تأليف الكاتب.

أجاد سلطان العميمي بكتابة رواية مشدودة بتفاصيل حبكتها القوية وقدرتها على إبقاء القارئ مشدودا ومتابعا بشغف حتى نهاية الحكاية التي تصلح، بلا شك، لعمل فيلم سينمائي عصري.

أعجبتني فكرة تلصص الشخصية المؤلفة على حياة مؤلفها، والحوار الصادم في نهاية العمل حين يكشف المؤلف للشخصية المحبوسة بأنه ليس محبوسا وليس موجودا على الإطلاق إلا في مخيلة الكاتب، فيقول له: "أنا من يكتبك الآن، أنا من يخترع كل كلمة تقولها، وكل فكرة تخطر ببالك".

وحين يطلب من المؤلف أن يطلق سراحه ليعود إلى أسرته وحبيبته، يرد عليه قائلا: "لا أنصحك بذلك، إن خرجت من هنا ستنتهي تماما، ستختفي، حياتك ليست حقيقية، كل ما تتذكره الآن وتظنه ماضيا، هو في الحقيقة جزء من صنع أفكاري التي توجد أنت فيها الآن".