مع تأكيد قوات الأمم المتحدة (اليونيفل) وجود أنفاق ممتدة من لبنان إلى إسرائيل، تكون «ذرائع» إسرائيل في طريقها إلى اكتساب شرعية دولية، مما قد يطلق لها العنان لممارسة شتى أنواع الضغوط على لبنان في ظل التوتر القائم أصلاً مع إيران في المنطقة، وهنا يصبح التساؤل ملحاً أكثر عما إذا كان هذا التوتر سيتحول إلى مواجهة مفتوحة بين الطرفين، مسرحها لبنان.

أجواء واشنطن حتى الآن لا تشير إلى حتمية حصول هذا الأمر، لكن هناك تخوفاً من أن تكون فترة السماح والهدوء التي كان يعيشها لبنان منذ انتهاء حرب يوليو 2006 قد شارفت الانتهاء، واحتمال انكشاف الوضع اللبناني على تطورات أمنية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير «الاستاتيكو» الذي أبقى الساحة اللبنانية هادئة بشكل عام.

Ad

ولعل الأمر يذّكر بتجارب المواجهات الإسرائيلية – اللبنانية على امتداد العقود السابقة، حيث احتاجت إسرائيل إلى تحضيرات سياسية وميدانية «للحالة» التي تسعى إلى بنائها، سواء استهدفت الضغط، لخلخلة الوضع الداخلي أو للقيام بعملية عسكرية كبرى ضد لبنان.

هذا ما جرى قبيل اجتياحات 1978 و1982 و1994 فضلاً عن حرب عام 2006، حين أقر الأمين العام لحزب الله بأنه لو كان يعلم بالنتائج التي ستترتب على عملية خطف الجنود الإسرائيليين في منطقة عيتا الشعب، لما أقدم عليها.

إسرائيل بهذا المعنى لا تحتاج إلى ذرائع تجاه لبنان، لكنها تسعى إلى توفير المناخات الداخلية والإقليمية والدولية المناسبة.

وتتحدث أوساط الخارجية الأميركية بأن الوزير مايك بومبيو تسلم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وثائق وملفات تثبت أن «حزب الله» خرق قرار الأمم المتحدة رقم 1701، لكن الخطير في ادعاءاته تلك أنه أبلغ فيها واشنطن بتورط الجيش اللبناني أو على الأقل تغطيته للنشاط الذي يقوم به الحزب خلال بناء «أنفاقه» المؤدية إلى أراضيها.

ومع تأكيد الأمم المتحدة وجود الأنفاق، تتوقع أوساط دبلوماسية أن تنجح إسرائيل، على الأقل، في إصدار بيان أممي يحمّل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن عدم احترام تطبيق القرار.

هناك من يحذر بأن إسرائيل تسعى أيضاً إلى نزع الغطاء الدولي والإقليمي عن الحكم اللبناني برئاسة الرئيس ميشال عون، المتحالف مع «حزب الله»، لتحقيق أمرين: الأول، محاولة فك العلاقة القائمة بين الحزب والتيار العوني وبالتالي إزالة الغطاء المسيحي عنه، تمهيداً لتوسيع شقة الخلاف مع باقي المكونات اللبنانية، سياسية أو اقتصادية، أما الآخر فتحويل لبنان كله إلى ساحة مواجهة في ظل القرار الأميركي لإنهاء الدور الإيراني في المنطقة عبر فتح الملفات ضده في مختلف الساحات التي ينشط فيها.

غير أن أوساطاً أميركية لا تزال تعارض تغيير «الاستاتيكو» الذي يؤمن حالة استقرار، ولو هشة، في لبنان، لديها تخوف من أن تقدم إدارة الرئيس ترامب على اتخاذ خطوات تصعيدية جدية، لا تستهدف هذه المرة «حزب الله» وحده، بل الوضع اللبناني في مجمله، في ظل اقتناع صقورها بأن التغلغل الإيراني وصل إلى نقطة اللاعودة في هذا البلد.

فالمواجهة الشاملة التي تطرحها إدارة ترامب للنفوذ الإيراني، دعمتها أخيراً خطوات وتصريحات لافتة على أكثر من صعيد؛ من بيان المبعوث الأميركي الخاص جيمس جيفري حول احتمال تطبيق مناطق حظر الطيران فوق شمال وشرق سورية، إلى إرسال حاملة الطائرات النووية نحو الخليج، وصولاً إلى بيان وزارة الدفاع الشديد اللهجة الذي أكد الطلعات الجوية الأميركية بالقرب من الحدود الروسية مع أوكرانيا وإبحار المدمرة الصاروخية الأميركية بالقرب من القاعدة الروسية في الباسيفيك على حدودها الشرقية، وليس آخراً تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون التي قال فيها إن معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى مع روسيا باتت وراء واشنطن.