عند اقتناء كتاب جديد أو استعارته من صديق، فإن أول ما يستهويني هو مطالعة الإهداء الذي سطره مؤلفه. وقد يكون هذا الإهداء إلى صديق للمؤلف، أو إلى حبيبته، أو زوجته، أو أسرته، أو صديقه، أو أستاذه، أو إلى أي شخص يشعر تجاهه بامتنان وفضل له عليه. وتلقي شخصية الكاتب - سواء كان جاداً، أو ساخراً، أو مؤرخاً، أو سارداً - بظلالها على نوعية وطريقة الإهداء، وكذا اختياره للمهدى إليه. وفيما طالعت من كتب متعددة بين الثقافية والتاريخية والاجتماعية، لفتني أربعة إهداءات أراها فريدة، وتستحق الإضاءة عليها هنا. أولها كتاب "أنبياء الله" للكاتب المصري الراحل أحمد بهجت، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1973، في حين صدرت الطبعة الثانية والثلاثون في 2006.

كان إهداء الكتاب فريداً ولافتاً وحساساً وجريئاً، ولا أظن أحداً سبقه في إهداء كهذا، إذ يقول فيه "لو أنه تكرم وسمح، بأن أضع خدي على التراب وأبكي حتى ينبت العشب من دموعي... فسوف أهدي الكتاب إليه... إلى الروح الأمين جبريل عليه السلام.. إيماناً بالغيب، وخشوعاً للجلال، واعترافاً بفضله على البشر، بوصفه رسول رب العالمين إلى الأنبياء. مع اعتذار عميق وخوف مشفق... لجرأة الطين الخاطئ على مجرد التوجه إليه بالحديث، فضلاً عن الإهداء".

Ad

الكتاب الثاني، ديوان شعر لأستاذنا الأكاديمي العلّامة الشاعر الأديب المفكر واللغوي د. مصطفى رجب، وعنوان الديوان "اعتراف جديد لابن أبي ربيعة"، وقد اكتنف الإهداء غموض واضح فهو "إلى الـ (ع)... الرمز والحقيقة"، وقد ترك لنا الدكتور رجب تخمين من هي هذه "العين"، حبيبة كانت، أم صديقة، أم تلميذة له، أم رفيقة دربه.

أما الكتاب الثالث فلكاتب كويتي شاب، اسمه محمد اليوسفي، أنجز مؤلفاً ضخماً من ثلاثة أجزاء عن تاريخ الكويت، وقد شرُفتُ بتدقيقه لغوياً قبل نحو 5 سنوات، ويقول اليوسفي في إهدائه:

"إلى من حمَلني على كتفه، ومن رعَتني في حِجرها، ومن حملتُها على كَتفي، ومَن رَعتها في حِجرها".... عبدالله، نرجس، سلمى، شريفة".

أهدى اليوسفي كتابه إلى والديه وزوجته وابنته، لكن الطريقة التي كتب بها إهداءه كانت لافتة بديعة، كما نلاحظ أنه صرّح بأسماء أسرته ولم يكتف بالإشارة إليهم فقط. وأما الإهداء الأخير الذي لفتني، فهو للكاتب المصري الساخر الراحل يوسف عوف، الذي عُرف بكتاباته اللاذعة والماتعة والمدهشة في آن. كان عوف زوجاً للفنانة الكوميدية الراحلة خيرية أحمد، وإليها أهدى كتابه الساخر "حيجننوني"، قائلاً "إلى زوجتي خيرية أحمد... التي لولاها لكان هذا الكتاب أفضل كثيراً"!

ما بين الخصوصية والعموم، وبين الرصانة والأسلوب الساخر، وبين الغموض والشفافية والبساطة، قد تسبر نوعية الإهداء شخصيات مؤلفي الكتب، وتكون مفتاحاً وضوءاً كاشفاً عن كتبهم وإبداعهم.