بعد أن كانت الكويت سباقة في مجال التأمين كصناعة، منذ نحو أكثر من 60 سنة، يتوقع البعض أن يكون التأمين في طليعة القطاعات الاقتصادية المحلية اليوم، إن لم يكن في مقدمة دول المنطقة تأمينياً، إلا أن ما نراه هو العكس، ما يدفعنا إلى التساؤل: لماذا أهملت الحكومة قطاع التأمين، فغابت ثقافة التأمين؟ يجب أن نكون صادقين كقياديين تأمينيين مع أنفسنا، وإجراء عملية جرد سريعة لما قدمناه للتأمين وما ابتكرناه من خدمات لعملاء شركات التأمين محلياً.

سنكتشف أنه لم يكن شيئا ذو قيمة للسوق الكويتية، ولم يسهم في تغيير فكر المواطن العادي قيد أنملة نحو مفهوم التأمين إيجابياً، فما بالك بفكر الدولة التي تعتمد النظام الريعي القاتل لتطلعات التأمين؟

Ad

قبل 3 عقود وأكثر، كان قطاع التأمين مزدهرا في الكويت، وكان يعج بقيادات تتمتع بنزعة الريادة، وبإمكانات إدارية، وبقدرات فنية وبخبرات اقتصادية لا يستهان بها، وكان لدى هذه الطاقات التأمينية قدرة الضغط على الحكومة لعرض مشاريعها وطموحاتها عليها لتنفيذها على أرض الواقع، لا أن توضع على الأرفف وفي الأدراج، كما يحدث اليوم.

وكان لشركات التأمين الكبيرة نفوذ سياسي أيضا، تستطيع من خلاله تمرير أجندتها الاقتصادية، أو على الأقل لرعاية الشق التأميني، بما ينفع الأفراد والدولة بشكل عام. لهذا أقول إن القيادات التي أهملت مكانتها، ولم تستغل تلك الفرص الذهبية لمصلحة القطاع هي التي يجب أن يقع عليها اللوم.

منذ سنوات ونحن نلوم الحكومة أو أجهزتها المعنية بالتأمين، لإهمالها قضايا التأمين المصيرية، وأنها تناست قانون التأمين في الأدراج، وأنها لا تنظر بعين الاهتمام إلى تأمين السيارات، وأنها لا تساهم بنشر الثقافة التأمينية بين الناس، إلى ما هنالك من قضايا جامدة منذ عقود، دون أن نبادر نحن القياديين بتحريك المياه الراكدة في بحر القضايا التأمينية المصيرية.

يبدو أننا اعتمدنا أسلوب التنظير على دروب التأمين الوعرة، وأهملنا إمكاناتنا الفنية والاقتصادية بالتأثير على متخذي القرار في الدولة، ولم نقدم شيئا يؤثر على الاقتصاد الوطني تأثيراً ملحوظاً، ولهذا لم تأخذ الحكومة ما نقدمه في السوق المحلي مأخذ الجد.

إلا أنه يجب ألا نغفل حقيقة أن جزءاً كبيراً من المشكلة سببه غياب ثقافة التأمين لدى قطاع كبير من السياسيين، الأمر الذي غيّب بدوره تشريع قانون للتأمين لكي يضع النقاط على الحروف المبهمة، ويوضح للمواطن ولشركات التأمين ما لهم وما عليهم، وغيب جهود تشريع قانون للضرائب يجبر المواطن على المساهمة في قرار المسار المالي للدولة.

يجب أن يعرف القارئ أن أكثر من 90 في المئة من وثائق إعادة التأمين مبرمة مع شركات أجنبية، وليس في هذا الوضع ما يعيب، ولكن العيب أن تكون الكويت من أغنى الدول في العالم، وذات ملاءة مالية ضخمة، ثم تعتمد شركات التأمين الكويتية، في مجالات إعادة التأمين، على شركات أوروبية تتحكم في مؤسساتنا التأمينية، في الوقت الذي نملك شركة إعادة تأمين وطنية، تحتضن كفاءات كويتية وخبرات فنية جيدة، إضافة إلى ملاءتها المالية التي لا يستهان بها، وتدار من خلال مجلس إدارة يرأسه أحد أفضل القيادات التأمينية الكويتية، ولكنها لا تحظى بدعم كامل من شركات التأمين المحلية كما يجب.

الحقيقة المرة هي أنه لو كانت هناك عوائد مالية مجزية من وراء قطاع التأمين على خزينة الدولة، من خلال سن قانون للضرائب، يساهم في زيادة إيرادات الدولة، لزاد اهتمام الدولة في التأمين، من خلال سن قانون للتأمين.

الأمرّ من ذلك هو أن الدولة لا تستطيع اتخاذ قرار دون الرجوع إلى مجلس الأمة، الذي لا يمكن أن ينظر في أي مقترح غير شعبوي لا يحقق مصالح انتخابية، مثل قانون الضرائب مثلا، أو زيادة أسعار التأمين على السيارات، وغيرها من مشاريع القوانين التي تدعم الاقتصاد الوطني.

ولو نظرت الحكومة والمجلس بعين الاهتمام بمصالح الوطن العليا، لرأينا قانون الضرائب وقانون التأمين وزيادة أسعار التأمين على السيارات معمول بها منذ زمن بعيد. ولهذا فإنه مع اضمحلال القوة الإدارية والخبراتية للقيادات التأمينية الحالية، لا يمكن أن ينجح قطاع التأمين في إقناع السياسيين والانحراف عن جادة المصالح الانتخابية لمجرد سنّ قوانين غير شعبوية.

* رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة غزال للتأمين