بسبب حروب أنظمة وشعوب أقطار الوطن العربي السياسية البائسة، وخلافا للوصل الشخصي، لم يبقَ للمبدعين والمثقفين العرب من وصل مباشر إلا عبر لقاءات معارض الكتب، والندوات والاجتماعات الثقافية. ولقد سنحت فرصة جميلة لي بمقابلة مجموعة كبيرة من الأصدقاء الكتّاب العرب في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته السابعة والثلاثين، ولأني كنتُ أحمل السؤال في رأسي، فلقد كنت أتحين الفرصة لأناقشه مع الزملاء سواء بشكل فردي أو جماعي.

"ما رأيك في المجلات الأدبية العربية؟ وهل باتت تمارس دوراً أساسياً في وعي جمهور التلقي؟".

Ad

كنتُ أطرح السؤال وأنصت بانتظار إجابة محدثي. ولقد كانت الإجابات في مجملها، لا تخرج عن قول:

"ما عادت المجلات الأدبية تمارس دوراً طليعاً مهماً بين المفكرين والكتّاب وجمهور التلقي، كما كانت طول القرن الماضي".

يتشعب ويطول الحديث والمكاشفة بيني وبين المتحدث لأقف على رأيه:

"للأسف المجلات الأدبية العربية صارت تهم فئة صغيرة جداً من القراء، وهذه الفئة الصغيرة هي التي تتابعها، إضافة إلى كتّاب المجلة أنفسهم، وكأن الكاتب صار يكتب مقالته لنفسه".

ولأن الإجابة تحرك سؤالاً:

"لماذا وصلت المجلات الأدبية العربية لما وصلت إليه؟".

تلوح نظرة استغراب في عيون أصدقائي، وكأن لسان حالهم يقول: وهل يحتاج هذه السؤال لإجابة؟!

"الأنظمة السياسية العربية، وتحديداً الأنظمة الدكتاتورية الحزبية العسكرية، جثمت على صدر أقطار الوطن العربي، استباحت خيراته بترابه وسمائه، وحطمت آمال شعوبه وجعلتهم يقاتلون اللحظة سعياً وراء لقمة العيش المرّة... نسبة الأمية في بعض أقطار الوطن العربي تعدت الـ67 بالمئة، فكيف بالأمية تبحث عن كتاب وعن كاتب وعن مجلة أدبية؟ إنسان لا يجد سقفاً يأويه، وليس من لقمة عيش كريمة تسدّ رمق عياله، فكيف به يبحث عن رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية أو يذهب لمشاهدة مسرح؟".

محزنة كانت الإجابات، ومحزن أكثر منها ذلك الألم الذي عشش في صدور مفكري وكتّاب وفناني أبناء الوطن العربي نتيجة الأوضاع السياسية والاجتماعية والعسكرية القائمة.

نعم، تعاني المجلات الأدبية في عموم أقطار الوطن العربي من غربة كبيرة وسط جمهور صار منشغلاً طوال يومه بمعاينة شاشة التلفون النقال أو الكمبيوتر، وصار مهووساً بكتابة جملة على "تويتر"، والرد بجملة أخرى على صفحة "فيسبوك". العولمة الثقافية اجتاحات بلدان الدنيا، ولم تنج منها أقطار وطننا العربي، بل إن شبابنا وجد فيها مهرباً وملاذاً لروحه المعذبة، وصار يقتات على عوالم العالم الافتراضي أكثر مما يعيش ويعايش واقع العالم الحقيقي. فأبواب الواقع الذي يعيشه مكفهرة ومغلقة في وجهه، وليس له سوى الهرب إلى بوابات واسعة عنوانها مواقع شبكة الإنترنت ومحركات البحث وعلاقات شبكات التواصل الاجتماعي. ما يقدمه العالم الافتراضي من حيوات تختفي خلف الشاشات المصمتة، رمى بظلاله على حياة الإنسان في عيشه الحقيقي الواقعي، ولأن قوانين العالم الافتراضي يسهل التعامل معها والهروب منها، ولا تكلف الإنسان أكثر من ضغط زر لينهي علاقة أو يضع منعاً على وصله مع الآخر، فإن البعض صار يتعامل مع الواقع بقوانين العالم الافتراضي. وهذا في مجمله أخذ جيلاً كبيراً من الشباب العربي خارج حظيرة الإبداع والأدب والثقافة، وأثر أكثر في علاقة هذا الجيل الناشئ باللغة العربية.

وضع المجلات الأدبية العربية يستحق الوقوف أمامه كثيراً، ويرتفع السؤال: هل ثمة جدوى من المجلات الثقافية الأدبية؟ وإذا كانت هناك جدوى فكيف العمل على مواكبة هذه المجلات لرتم العصر، والخروج بها من نمط تأسس في بداية القرن لقارئ مختلف، وجعلها تنبض بحياة مغايرة، بأسماء مغايرة، بتبويت مغاير، بإخراج مغاير، بورق مغاير، بصور مغايرة، وأخيراً بروح مختلفة تماماً عما هي عليه!

المجلات الأدبية العربية جزء من وطن عربي معتل، ومؤكد أن اعتلاله قد مسّها ويكاد يطبق عليها!