تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها بين فترة وأخرى استبانات شعبية، لا يعرف مصدرها أو دقتها العلمية، لرصد توجه الناس حول حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات عامة جديدة، وقد تكون الجهات الداعية إلى مثل هذا الاستفتاء فردية أو مراكز بحثية، إلا أنها لا تشكل أي دلالات فعلية أو أنها ذات تأثير على القرار السياسي، حيث إن الدستور الكويتي يحدد طبيعة العلاقة بين السلطتين مع إعطاء العصمة السياسية للحكومة في حل المجلس، ولكن تظل هذه الاجتهادات مهمة في تبيان موقف الناخبين من السلطة المنتخبة شعبياً في ظل مؤشرات واضحة على حالة السخط من الأداء النيابي الذي شهد تراجعاً متواصلاً وضعفاً كبيراً منذ إقرار نظام الصوت الواحد، وبات البرلمان أداة حكومية بامتياز!

لا توجد مؤشرات حقيقية على حل المجلس الحالي، المطيع إلى درجة الانبطاح السياسي، وعلى الرغم من بعض صور الدعاية الإعلامية بأن الحكومة بعثت برسائل تهديد للنواب بحل البرلمان في حالة تقديم استجوابات جديدة، فإنه لا يشكّل لها أي إزعاج حقيقي، بل تأتي معظم قراراته ضد طموحات الناس والعمل المبرمج لترسيخ شعور الإحباط واليأس من تحقق أي نوع من الإصلاح، وتظل دوائر الفساد تتسع دون أن يحرك ذلك جفناً للكثير من أعضاء المجلس، وأي قرار لحل المجلس سيكون سببه الخلاف الذي بات يتسع بين أقطاب الحكومة نفسها وتمهيداً لتغييرات قد تكون مهمة وجذرية في المرحلة القادمة.

Ad

فالانتخابات المبكرة لا تضمن بالضرورة تعديل المسار أو الأداء البرلماني، فمنذ انتخابات ديسمبر 2012 شهدنا ثلاثة مجالس وبنسب تغيير كبيرة تراوحت بين 40-60% من النواب، بمعنى لم يأتِ تغيير الوجوه أو الشخصيات بأي جديد، ولم يتبدل المشهد السياسي من حيث استمرار المناوشات وتبادل الاتهامات بين النواب، وإشغال البلد في قضايا هامشية أو ذات اهتمام ضيق ومحاولة الإبقاء على حالة الاصطفاف المذهبي والقبلي، وإثارة زوبعات سخيفة لا ناقة لها ولا جمل في صميم مشاريع الإصلاح من قبيل الطعن باحتفال المولد النبوي الشريف، ومنع الكتب، ورفع القضايا على المواطنين من أجل بعض الفاشينستات، ومن المؤسف ألا يجتمع النواب أو يلتقون على قضايا جامعة أو ترك خلافاتهم الجانبية ولو مؤقتاً في موقف وطني ضد الفاسدين الذين بدأت أسماؤهم وجرائمهم تنكشف حتى في المرفق القضائي، أو ما أصاب البلد من شلل وعجز في مواجهة موجة أمطار عابرة، وفي محاسبة حكومة ضيعت أموال الدولة في مشاريع مخجلة، والتباهي بها دون أي شعور بالحياء مثل خلطة الإسفلت السحرية أو مشروع صالة-4 (T-4) في المطار، بل يتسابق الكثير من النواب في مدح الحكومة وكسب رضاها!

المشكلة إذاً لا تحل بالطرح السطحي في انتخابات جديدة، لأن مع كل انتخابات مبكرة وبالنتائج الضعيفة ذاتها تزداد قناعة الناس بعدم جدوى مجلس الأمة، وهذا هو الرهان الذي يعول عليه أعداء الديمقراطية ومن اكتوى بنارها، ولم يقدر على وأدها رغم محاولات الانقلاب على الدستور الفاشلة!

مجلس الأمة يظل خيار الناخبين ودرجة وعيهم وحرصهم على بلدهم ومستقبل أولادهم، وهو انعكاس حقيقي لمبدأ "كما تكونوا يولى عليكم"، ولذا فإن تغيير النفوس هو المحك الأساسي والمصداق الأوحد لطريق الإصلاح، كما قال الله عز وجل "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"!