صُمم منتدى هاليفاكس للأمن ليكون تجمعاً لدول العالم الديمقراطية التي تحالفت لتدافع إحداها عن الأخرى، فالحدث المميز في هذا المنتدى، الذي رعاه وزير الدفاع الكندي، أشرطة الفيديو القصيرة التي تقدّم التجمع السنوي، فقد أظهرت مقدمة هذا العام عدائين في سباقات تتابع، معظمهم أميركيون، في الألعاب الأولمبية بدءاً من برلين في عام 1936 وصولاً إلى عملية تسليم عصا غير واثقة شكّلت رمزاً قوياً لمخاوف العالم بشأن القيادة الأميركية في عهد ترامب.

بدا الجو العام في منتدى هاليفاكس قاتماً جداً هذه السنة، وخصوصاً أنه أُقيم عقب شن ترامب مرة جديدة هجوماً غاضباً ضد ألمانيا وفرنسا بلغ ذروته مع إهانة فظة حين ذكر ترامب أن الباريسيين كانوا يتكلمون الألمانية إلى أن تدخلت الولايات المتحدة في الحربين العالميتين الأولى والثانية. يتحسر الحلفاء على خسارتهم الولايات المتحدة التي آمنوا بها بما أنهم يزدادون اقتناعاً بأنهم ما عادوا يستطيعون الاعتماد علينا بعد اليوم.

Ad

لا شك أن المسؤول العسكري الأميركي البارز الجنرال جوزيف دانفورد، قائد خفر السواحل الأميرال كارل شولتز، وقائد منطقة المحيط الهادئ الهندية الأميرال فيليب ديفيدسون شاركوا جميعاً وقدموا ملاحظات منطقية قوية، لكننا لم نرَ أي تمثيل سياسي من القيادة المدنية في وزارة الدفاع، كذلك لم يستطع أي دبلوماسي بارز أو مسؤول في البيت الأبيض تخصيص القليل من الوقت للبلد الذي استقبل الرحلات الجوية الأميركية عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر أو تلك الأمم التي طبقت بند الدفاع المشترك في حلف شمال الأطلسي بعد تعرضنا للهجوم، أو تلك الأمم التي سعت إلى تصبح أكثر ديمقراطية على غرارنا، لذلك عبّر الخبراء في العلاقات المدنية-العسكرية عن قلقهم من الصورة التي ظهرت حين تولى قادة عسكريون بزيهم الرسمي فحسب نقل الرسائل السياسية الأميركية، إلا أنهم أقروا بأسى أن عرض قادة عسكريين قوى الاستقرار الدستوري أفضل من ترك الحلفاء في حالة ضياع كامل.

علاوة على ذلك، حاول وفد كبير من الكونغرس (ثمانية سيناتورات فضلاً عن النائب مايك غالاغر) التأكيد للمجتمعين أن الولايات المتحدة ما زالت تقدّر الدول التي تشاركها في عقيدتها السياسية، وأنها تشاطرها في حمل الأعباء المشتركة، ولكن لا يشكّل أي من أعضاء الكونغرس المشاركين قوة سياسية بارزة في آلية التشريع الأميركية. نُعي جون ماكين، الذي لطالما ترأس وفد الكونغرس إلى هاليفاكس، بحزن، ولكن ما من خليف بارز له.

قدّم المنتدى جائزة ماكين الافتتاحية للقيادة في الخدمة العامة لشعب الجزيرة اليونانية لسبوس لتمسكهم بقيم الغرب واعتنائهم بالمهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون إلى شواطئهم.

لم تكن الولايات المتحدة يوماً على قدر المتوقّع منها، ومن حسن الحظ أنها لطالما كانت أفضل من حكومتها، على سبيل المثال، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس سابقاً أن أول دولة ستبلغ أهدافها في مجال التغير المناخي ستكون على الأرجح الولايات المتحدة الأميركية، رغم انسحاب ترامب من الاتفاقات وسلوك الحكومة الفدرالية المعادي لها صراحة، فما زالت ولاية كاليفورنيا الذهبية وعُمدات 31 مدينة، فضلاً عن عدد كبير من الشركات والمستهلكين الأميركيين، ملتزمين بهذه الأهداف بغض النظر عن موقف حكومتهم الفدرالية.

لا تقتصر المشكلة على أن الحلفاء لا يصدقون الأصوات المطمئنة في الإدارة، فقد سئموا أيضاً التعاطي مع معمعة السياسات الأميركية وتفاعلاتها، وضجروا من نزعتنا الأنانية والدراما التي نعيشها، وخابت أمالهم نتيجة لا مبالاتنا بمشاكل الآخرين وسياساتهم. لذلك بدأوا يتقبلون عالماً بدون إلهام الولايات المتحدة أو شراكتها، ونظاماً دولياً ما بعد الولايات المتحدة.

أشار الأميركيون المشاركون في المؤتمر إلى نجاحات سياسية، مثل إنشاء قوات الانتشار السريع 30-30-30 في حلف شمال الأطلسي، ونشر القوات الأميركية في بولندا، وإعادة بناء الأسطول الثاني لإجراء دوريات في الأطلسي، ومشاركة الولايات المتحدة الأساسية في تدريب حلف شمال الأطلسي العسكري الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة. لكن الحلفاء سئموا سماع ذلك، فلم يطغَ سلوك ترامب المهين على هذه الإنجازات فحسب، بل دفع غضبه العام المتأجج بوضوح إلى التشكيك في ما إذا كانت الولايات المتحدة ستهب حقاً للدفاع عن حلفائها في الأزمات.

يعمي فيض المشاعر السلبية المتدفق من أعلى المستويات في الحكومة الأميركية أصدقاءنا عن الجزء الخيّر فينا. يعتقد الحلفاء أنهم يشهدون تطوراً لم يتوقعوه مطلقاً، تطوراً يهدد أمنهم وأمننا على حد سواء: وضع الولايات المتحدة نهاية للنظام الأميركي، وانتشر خلال المنتدى خبر عن أن حلف شمال الأطلسي لن يقيم احتفالات ذكرى تأسيسه السبعين لأننا لا نستطيع الوثوق بأن الرئيس الأميركي لن يهدم المعبد على رؤوسنا.

*«كوري شايك»