لنبتعد قليلاً عن الحديث عن الحرامية والمفسدين والجبناء الذين عاثوا في أرض الكويت فساداً وخانوا أمانتهم مع وطنهم وخدعوا الشعب في أعمالهم ومسؤولياتهم ومناقصاتهم وأدوارهم التنفيذية والرقابية، لنترك أولئك لبرهة ولنستمتع باللحظات العظيمة التي شاهدناها وعايشناها أثناء أزمة أمطار الخير التي هطلت الأسبوع الماضي.

لقد خرج من رحم المصيبة خير، فمن أعظم فوائد أزمة الأمطار إعادة إظهار المعدن الأصيل والعطاء في صفوف أبناء الكويت في كل المؤسسات المعنية الأمنية والعسكرية والمدنية وبعض الجمعيات التعاونية عندما هبوا من كل حدب وصوب لإغاثة الناس وإصلاح ما أفسدته عقود الأشغال ومشاريع البنية التحتية المتهالكة في مشهد اجتماعي مهيب، يعيد للأذهان ما قام به الصامدون أيام الغزو العراقي من فزعة تكافلية جبارة مكنتهم من إدارة شؤونهم داخلياً في أحلك الأوقات وأصعب الظروف.

Ad

لم تكن البطولة فقط من موظفي الدولة الذين قاموا بواجبهم الوطني بإخلاص وكفاءة إنما برز أيضاً الشباب المتطوعون الذي بادروا بكل شهامة للمشاركة في دعم الأجهزة الحكومية، وفي مساعدة الناس في الخطوط السريعة والمناطق والطرقات، وفي فتح المناهيل والعمل على تيسير صرف مياه الأمطار في الفرجان والشوارع الداخلية، فكانوا بحق نجوماً لامعة في تلك الليالي العسيرة. حتى تلفزيون الكويت "الميّت" عادت له الحياة، وتولى إدارة المشهد إعلامياً بنجاح، وفرض نفسه كمصدر رئيس للأخبار والأحداث في تغطية ميدانية مشهودة، وهو دور يسعدنا جميعاً أن نراه من جديد للشاشة الكويتية، ونتمنى أن تستمر هذه الصحوة الإعلامية المفاجئة.

يا ترى أين يذهب هذا الحماس الوطني والعطاء السخي في الأيام الاعتيادية؟ من يصيب شباب الكويت بالإحباط ويمنعهم من إظهار مواهبهم في الأعمال المختلفة؟ من يحرم الشباب الكويتيين من فرصتهم في خدمة الوطن، ومن يحارب الكفاءات الكويتية في شتى المواقع ويكسر مجاديفها؟ إن دولة لديها هذا الكنز من الولاء والعطاء من أبنائها حريٌّ بها أن تعتلي أرفع الدرجات إذا أحسنت استغلال هذه الهبات من أبنائها، فمن يلتفت إلى ذلك ومن يستوعب هذا الشأن العظيم؟

من جانب آخر كان مؤسفاً الغياب الواضح لمبادرات القطاع الخاص في خدمة المجتمع في هذه الأزمة سواء من البنوك أو شركات الاتصالات أو مراكز الجملة أو شركات المقاولات أو العيادات والمستشفيات وغيرها من القطاعات المختلفة (ماعدا مؤسسات قليلة)، فقد كنا ننتظر أن نرى منهم مشاركة حقيقية في هذه الأزمة، ولو كانت رمزية فقيمة المبادرات ليست بتكلفتها المادية إنما بالمشاركة المجتمعية التي تفرضها الوطنية والعطاء... والله الموفق.

إضاءة تاريخية:

"1947 تم إنشاء أول مجرور لتصريف مياه الأمطار في الكويت، وهو مجرور الشارع الجديد، حيث يمتد من الصفاة حتى البحر، وكان عن طريق مناقصة للبلدية، فاز بها عيسى الصالح، ونفذها له خليفة بن بحوه". (تاريخ الهندسة في الكويت م. صباح الريس).