انتشر للسيدة فاطمة عزيز، المصرية المقيمة في الكويت، "فيديو" حول حادثة ضرب تعرضت لها، يُفهم من محصلته أنه تم ضربها من خمس سيدات كويتيات والدوس على رأسها بحذاء إحداهن وتعرضها لشتائم تجاه جنسيتها المصرية وتوعد "بالتسفير" من البلد حسب قولها، في حين تقول السيدات الكويتيات إن فاطمة هي التي بادرتهن بالضرب والاعتداء، وإنها استطاعت التغلب عليهن بسبب كونها مدربة ألعاب قوى. تم تحويل فاطمة للمستشفى ثم الطب الشرعي وعمل التقارير اللازمة والقضية الآن أمام المحاكم والسفارة المصرية، مشكورة، تتابع الحالة حماية لمواطنتها كما يفترض على أي سفارة تجاه مواطنيها.

ليست القضية هنا قضية حق ضائع، كلنا، بما فينا المواطنة المصرية نفسها، وكما أكدت بكلماتها ذاتها، ثقة بالقضاء الكويتي الذي سيعطي كل ذي حق حقه ويعاقب الاعتداء وانتهاك الكرامة. الموضوع ليس جديداً على أي حال، وفي آخر حالة اعتداء على مواطن مصري في الكويت نال المعتدي سبع عشرة سنة سجناً إثر الإعاقة التي تسبب بها لهذا الرجل؛ مما يؤكد عدالة وقوة النظام القضائي في الكويت. القضية تحديداً هي أن الموضوع ليس جديداً، وأن حالات الاعتداء ما عادت حالات فردية منفصلة عن المزاج العام. أرجو التركيز على النقطة: الموضوع هنا ليس من هو على حق أو على باطل في قضية فاطمة تحديداً، الموضوع هو انتشار حالات العنف الجسدي واللفظي، انتشار مشاعر الكراهية والحقد وسوء الظن. هذه الكراهية للجنسية المصرية، ولأول مرة أضطر لتحديد الجنسية هنا بكل أسف، ليست فردية ولا استثنائية، لقد تحولت هذه الكراهية وهذا النفور إلى حالة عامة، يثبتها الخطاب البرلماني للنائبة الكويتية وأحياناً الإجراءات الحكومية التي تردد صدى تعنت النائبة وحس الكراهية المبثوث في كل حديث لها حول المقيمين في الكويت، وخصوصاً حديثها تجاه الجالية المصرية. لا تكتفي هذه النائبة بالنقد الهجومي صانعة من هذه الجالية السبب في كل تدهور أو عرقلة تواجهها الدولة خدماتياً، لا تكتفي بالضغط لتصعيب حياتهم (هم وغيرهم من المقيمين) وفرض رسوم عليهم في شتى المجالات حتى الشوارع والهواء لو كانت تملك ذلك، بل هي تقلد لهجتهم بين فترة وأخرى وتهزأ بكلماتهم وتعابيرهم في ترسيخ مريض للكراهية والتعنت تجاه أصحاب هذه الجنسية. تكرار ذلك سحب أصواتا نيابية أخرى تروم إطفاء شهوة الشارع لطرف يلومونه على تدهور مستوى الخدمات وازدحام الشوارع وتراجع مستوى العمل في الكثير من الجهات، فكان أن انضموا ليشكلوا جوقة كراهية شجعت الشارع كذلك وحركت الرغبة الغوغائية الموجودة في النفس البشرية عموماً والتي يكبتها العقل والمنطق والتحضر الإنساني. يردد الشارع صدى نائبته وزملائها، وتغذي النائبة جوع الشارع لطرف يرمون عليه اللوم تجاه كل تدهور، فكان أن صُنعت حلقة الكراهية هذه، طرف يغذي طرفا، جهة تشجع جهة، حتى تحول العداء إلى ظاهرة، والعنف اللفظي والاستهزاء حالة يومية نعيشها من خلال النكت و"البرودكاستات" والتداولات اليومية بين الكويتيين. لا، ليست الحادثة منفردة، ليست حالة شاذة، بغض النظر عن المخطئ أو المصيب فيها، الحادثة برمتها صدى لحوار كريه يدور منذ زمن، لكلمات دبقة يأتي رذاذها من أهم المواقع التشريعية في البلد، حتى تألبت القلوب على بعض وعمّ الغضب كل الأطراف وأصبح العنف ديدن التعامل بين المواطنين والمقيمين، حيث يقف الطرفان مواقف هجومية من بعضهم البعض. إذا لم تعالج المشكلة العنصرية المستجدة هذه ولم يعالج الحوار المريض هذا ولم تتطبب النفوس من الكراهية التي أصابتها، فسننتظر المزيد من العنف في القادم من الأيام، عنف سيؤذي المقيمين، لكنه سيدهور الكويتيين بحد ذاتهم حياتياً ونفسياً وروحانياً.

Ad

وسداً لذرائع التعدي على الآخرين، لنقول ما يجب أن يقال بكل وضوح: أولاً واجب الإحسان وطيب التعامل مطلوب من الكويتيين أولاً، فهم أصحاب الدار، وهم الأقوى في كل مناحي الحياة، فهم "يلعبون على ملعبهم" في حين أن كل الجاليات الأخرى تعاني الاغتراب، وما يأتي معه من مخاوف ووحشة ومشاكل نفسية وحتى جسدية. ثانياً، إن كان هناك تردٍّ في مستوى العمالة الآتية للكويت فالسؤال هو من الذي أتى بها؟ من الذي فحص مؤهلاتها وسمح بدخولها؟ وثالثاً إن كانت هناك مخالفات أو وساطات أو صور فساد تأتي من أي جالية مغتربة عندنا في الكويت، فهي تأتي تقليداً لمنهجية أهل البلد، ونتيجة للضعف في تطبيق القانون. إذا رأى المقيم الكويتي يسيّر أموره بالواسطة، فسيفعل هو كذلك، وإذا رأى ارتخاءً في تطبيق القانون فسيستغله كما يستغله الكويتي. نصلح أحوالنا، نطبق القانون، نقلل من مستويات الفساد المستشري، ستنضبط الأمور من تلقاء نفسها. المسؤولية مسؤولية أهل الدار لا القادم ليعينهم ويقدم خدماته لهم. وأخيراً، ومن وجهة نظر أنانية بحتة، هل من مصلحتنا كمجتمع كويتي أن نعيش وسط كل هذا الغضب والتنافر في المشاعر؟ وهل من مصلحتنا أن نضغط على مقيمينا ونصعب عليهم الحياة ونؤذيهم في احتياجاتهم وكراماتهم، هم الذين سيصحون صباحاتهم ليعملوا على أرضنا ويقدموا جهودهم لها؟ هل ستكون الخدمات المقدمة لنا طيبة، وأجواؤنا صحية، وحالتنا الاجتماعية عموماً مستقرة ونحن متنافرون مغتاظون معبؤون بالنفور والكراهية تجاه بعضنا البعض كمواطنين ومقيمين؟

"آخر شي":

تغريدات النائبة حول التصريحات المتزنة لوزيرة الهجرة المصرية هي خير دليل على مصدر الخلل. النائبة غضبت لأن الوزيرة قالت "كرامة المصري وبالأحرى كرامة المرأة المصرية خط أحمر" مؤكدة احترامها للقضاء الكويتي وثقتها التامة فيه. رد النائبة أتى "ترامبي" المرجعية من حيث غياب الدبلوماسية والهبوط الشديد في التعبير والألفاظ وصولاً لاستخدامها أمثالاً مصرية شعبية بأسلوب غاية في التواضع "ردحاً" للوزيرة المعنية. وفي حين أن الكلام عن أن المواطن الكويتي ومصلحته وكرامته كخط أحمر لا يكاد ينقطع عن لسان النائبة، إلا أنها استنكرت الكلام ذاته على الوزيرة المصرية، لربما لأن البشر ليسوا سواسية في نهاية الأمر. لامت النائبة على الوزيرة "التطرق لمسألة الكرامة" الذي هو "أسلوب دغدغة المشاعر" حسب تعبيرها، معيبة عليها ارتفاع "هرمون الكرامة" عندها، هكذا بهذه الألفاظ، ملحقة كل ذلك بالردح والقدح المخجل المبتذل. لا يمكن تصور هذا الأسلوب من سياسي إلا في زمن ترامب، أسلوب "يدغدغ" في الواقع مشاعر الغضب والنفور عند المواطنين، ويهين الآخر ويقضي على كل حس دبلوماسي يفترض أن يكون بين سياسيي البلدين. وهكذا، عوضاً عن تهدئة النفوس والتواصل الحكيم لحل المشكلة، تكتب النائبة في حسابها التويتري "ما لقوش العيش ياكلوه، جابوا لهم عبد يلطشوه"، مع اعتذاري عن إعادة نقله الذي ألزمه التوضيح. نظرة سريعة على المثل الذي قدمته النائبة تدلل على المشكلة الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية واللفظية والمعرفية التي تساهم هي في خلقها ونشرها.