يبدو أن بيننا، وعلى المستويين الرسمي والشعبي، من لم يتعلم بعد الدرس القاسي لكارثة غزارة الأمطار التي وقعت في عام 1997، فانتظر لأكثر من عشرين سنة لكي يتلقى درساً آخر، فيتأكد من أهمية التأمين على الممتلكات والأرواح ضد الكوارث.

وإذا كنا نرى أن الكارثة الأولى (التسعينية) كادت تصيب الكويت في مقتل لولا عناية الله، فإننا اليوم نعاني الأمرين من غزارة الأمطار التي هطلت على الكويت خلال فترة وجيزة، عجزت معها أجهزة الدولة لمواجهتها وحصر أضرارها.

Ad

وإذا كان أول فصول الكوارث الطبيعية وقعت قبل 21 سنة، فطالت خسائره المادية بعض الأفراد والشركات والمؤسسات الحكومية، فإن خسائر كارثة أمطار اليوم شملت مناطق وضواحي سكنية بأكملها، وأغلقت معظم الطرق السريعة الرئيسة، ونجم عنها خسائر في الأرواح أيضا، حتى ان الخسائر الأولية لممتلكات الأفراد قدرت بما يقارب مليار دينار (3.3 مليارات دولار)، بينما فاقت خسائر المؤسسات الحكومية وشركات الأفراد، نتيجة هذه الأمطار، ملياري دينار (6.6 مليارات دولار).

من هنا يحق لنا كتأمينيين أن نتساءل: ماذا لو كانت الحكومة قد تخلصت من عيوب رعاية المواطن في كل شيء، وركزت على توعية المواطنين والوافدين بأهمية التأمين في حياة الناس؟ ألم يكن مثل هذا التوجه مدخلاً لتقليل الخسائر إلى حدودها الدنيا؟ ألم يكن بإمكان الحكومة مد يد التعاون مع قطاع التأمين من خلال الاتحاد الكويتي للتأمين، من أجل نشر ثقافة التأمين على الممتلكات العامة والخاصة والتأمين ضد الكوارث الطبيعية، كما تتبعه الدول المتقدمة، كأسلوب عصري من أساليب الحفاظ على المدخرات العامة والخاصة؟ ألم يكن الاعتماد على التأمين طريقة مثلى لطمأنة النفوس بمستقبل آمن ومضمون، ليقول المواطن أو الوافد لنفسه حينها: «مهما كانت شدة الكوارث الطبيعية على الممتلكات، ومهما كانت الخسائر المادية جسيمة، فإن هناك من يدفع عني هموم خسائر الكوارث الطبيعية، وهي شركات تأمين كفيلة بتعويض هذه الخسائر»؟

ولو أخذنا أبسط الأضرار المادية الظاهرة للعيان، وهي تلف السيارات الناجم عن كارثة الأمطار الغزيرة التي تعرضت لها بلادنا أخيراً، وهي بالمئات عدداً، إن لم تكن بالآلاف، لوجدنا أن قيمة تعويض أصحابها ستصل إلى عشرات الملايين من الدنانير، ستدفعها الحكومة عن طيب خاطر، دون أن تتمكن هذه الحكومة من مساءلة المواطن أو صاحب السيارة التالفة، والطلب منه إثبات أن هذا التلف، أو أن مطلبه، ناجم عن هذه الكارثة الطبيعية التي عصفت بالبلاد أخيراً. بل إن الأسوأ من ذلك أن الحكومة لا تملك الجهاز الفني الخبير والقادر على تقدير حجم خسائر كل مواطن وكل وافد تعرض بيته أو شقته للتلف من جراء السيول التي اقتحمت منازلهم وجرفت أثاثهم وممتلكاتهم ومقتنياتهم الثمينة، وما على الحكومة إلا سداد فاتورة إهمالها للتأمين طوال العقود الماضية بهدوء.

وإذا كانت وزارة الداخلية غير مقتنعة، حتى يومنا هذا، بجدوى النظر في زيادة تسعيرة التأمين ضد الغير على السيارات، فساوت الوزارة بين قائد المركبة صاحب السجل الخالي من أي مخالفة مرورية حتى لو كانت مخالفة ممنوع الوقوف، وبين قائد المركبة صاحب السجل المليء بالمخالفات المرورية الجسيمة، فكيف تستطيع شركات التأمين إقناع وزارة الداخلية بجدوى إقرار التأمين على السيارات ضد الكوارث الطبيعية؟ أعتقد أنه وبعد ما عاناه المواطنون والوافدون والشركات، والحكومة نفسها أيضاً، جراء هذه الأمطار الغزيرة، فقد أصبح الوقت مناسباً للاتحاد الكويتي لشركات التأمين لكي يخاطب الحكومة كلها، وليس مخاطبة وزير الداخلية فقط، للنظر من جديد في تنويع وثائق التأمين على السيارات حسب سجل كل قائد مركبة، كما هو معمول به في غالبية دول العالم، وخصوصا الدول المتقدمة منها، وإدخال التأمين ضد الكوارث الطبيعية ضمن وثائق التأمين، من أجل حماية الحكومة وأجهزتها الفنية من أي مساءلة قانونية مباشرة حول أي خسائر قد يتعرض لها الأفراد أو الشركات مستقبلاً.

* رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة غزال للتأمين