أبونا آدم وأمنا حواء لم يجدا حيلة سوى أوراق من شجرة توت ليسترا بها عورتيهما، فلماذا خجل كل منهما من انكشاف عورته للآخر، بالرغم من أنه لم يكن حينها من البشر سواهما في المكان الذي كانا يقيمان فيه، سواء كان جنة الخلد أو جنة أخرى؟!

وما الدافع الذي جعلهما يفكران في البحث عما يسترهما عن بعضهما، في حين أنهما كانا لبعضهما زوجين؟! إن في ذلك دلالة على أن ستر عوراتنا غريزة إنسانية ورثناها عنهما منذ الأزل، حتى أنها غدت أحد الاحتياجات الأساسية لتحقيق شروط آدميتنا، كالمأكل والمسكن والحرية، ومنذ أوراق التوت تلك وحتى يومنا هذا، استطاع البشر عبر الزمن أن يبتكروا أشكالاً وطرقا متنوعة وعديدة، ومواد مختلفة كالقطن والصوف والحرير لستر أجسادنا، بخلاف أوراق التوت.

Ad

وأصبح هذا السلوك - أقصد الستر - رمزاً لقداسة ما لأجسادنا، وتبجيلا لحرمتها حرص الإنسان العادي على الحفاظ عليه والالتزام به، هذا ما جُبل عليه كل إنسان طبيعي منذ نشأة الخليقة، ولكن ماذا عن عورة أرواحنا؟! لماذا نهمل ستر سوءتها ولا يشغل تفكيرنا انكشاف عورتها؟! لماذا يكون ذلك آخر أولوياتنا، على العكس من ستر أجسادنا؟!

اللافت في قصة سيدنا آدم وأمنا حواء أن عورة جسديهما تزامنت في الوقت ذاته الذي بانت فيه عورة روحيهما بارتكابهما خطيئتهما، مما يدعونا إلى التأمل العميق في هذا الارتباط بينهما، ويشير، ببلاغة لا تقبل اللبس، إلى أن عورة الروح لا تقل منزلة في قداستها وحرمتها عن منزلة الجسد، فما الذي يجعلنا أقل حرصا على ستر عورة أرواحنا أحياناً كثيرة ولا حتى بورقة توت؟! بل اننا نتباهى بعرض "ستربتيز" مجاني لها، فرحين وفخورين بجرأتنا، نفعل ذلك علنا وبلا ذرة حياء على مسارح عدّة، أحد أهمها وأشهرها مسرح الغضب، على خشبة هذا المسرح نقدم أقوى عروضنا للتعري، نسقط عن عورة أرواحنا كل ما كان يستر عيبها، وكل ما يفضح قبحها، كلماتنا البذيئة، وسلوكنا البشع، وشوكنا المسموم، ومشاعرنا المسنونة كحد خنجر، وصراعنا العاطفي، وتوترنا المرضي، وحنقنا المقيت، نقوم بذلك بلذة شيطانية، وفي نهاية "ستربتيزنا" الروحي قد نسدل ستارة ندم في آخر العرض، وقد لا نصبح على ذلك العرض نادمين.

الغضب يعرينا، يكشف سوءة نفوسنا ويُظهر لنا معدنها، ويرينا كم نحن بشعون، ومع هذا لا نبدو حريصين بما يكفي لئلا تكون أرواحنا مفضوحة، يصعب علينا أن نجد قماشا يستر عورتنا من الداخل حين يدهمنا الغضب، ويسقط عنها كل ما استعرناه من أردية الجمال الظاهر، الذي بذلنا جهدا ربما كان مضنيا في حياكتها بطرفة عين، الرداء الوحيد القادر على إضفاء الستر على عورتنا تلك ليس متاحاً للكل، ولا يتمكن من الحصول عليه كل فرد، إلا أنه ثوب "الحشمة" الوحيد الذي يجعل عورة أرواحنا بمنأى عن كل عين، والقادر على أن يحفظ لها حرمتها... إنه الحلم!