السرد هو تجلّي اللغة الأجمل والأبسط والأكثر انتشاراً بين بني البشر. ولقد مثّل السرد، على الدوام، وجهاً حاضراً وفاعلاً في التاريخ البشري. بل إن السرد، في أحد أهمِّ وجوهه، إنما يمثل انتقالاً وحفظاً للخبرة الإنسانية من جيل إلى جيل. وهو إلى جانب ذلك ممارسة بشرية يومية/ لحظية، تساعد الإنسان على فهم وتفسير واحتمال اضطرابات الواقع ومضايقاته ومِحنه. ويكتسب السرد حضوره الأجمل، حين يأخذ بيد الإنسان لعيش مغامرة دون مخاطرة، ويمنحه، عبر اللغة، القدرة على عيش تجارب الآخر، أينما كان هذا الآخر. وبذا يمارس السرد مهمته المقدسة في تقديم المعرفة والسلوى والمتعة للإنسان، مُساعِداً إياه على فهم وعيش وتحمّل مرارات الواقع الصعبة.

الكتابة الإبدعية للقصة القصيرة والرواية، هي كتابة تتخذ من المعرفة الأساسية بعناصر الكتابة القصصية والروائية وسيلة للارتقاء بوعي وموهبة الكاتب الشاب، وبالتالي الانتقال بالكاتب من ممارسة الكتابة الإبداعية، بوصفها فعلاً إنسانياً ضرورياً وشيقاً، إلى ممارستها بوصفها علماً وعملاً له أصوله، التي لابدّ من الإحاطة بها قبل الخوض في عالم الكتابة.

Ad

إن مناهج تدريس فنَّي القصة القصيرة والرواية، في المعاهد والجامعات العربية، ما زالت، في معظمها، تتخذ من التقليدية والكلام النظري وسيلة لشرح مبادئ وأسس الكتابة الإبداعية، وهذا ما تجاوزته ورش ومحترفات الكتابة الإبداعية في أوروبا وأميركا، وحتى الصين واليابان. ففي العالم الغربي، ومنذ منتصف القرن الماضي، صارت الجامعات والمعاهد المتخصصة تُدرِّس مناهج الكتابة الإبداعية (Creative Writing) عن طريق كتّاب مشهود لهم بالكتابة المبدعة، عرفوا عالم الكتابة وعرفهم عالم الجمهور والمؤسسات الثقافية. مناهج التدريس الحديثة، بواسطة هؤلاء الكتاب، صارت تتخذ من التدريس الإبداعي النظري، ولاحقاً الورش العلمية والعملية، معياراً لاجتياز الكاتب/الشاب المنهجَ الخاص بالكتابة، وتخرجه، بحيث يواجه عالم الكتابة متسلحاً بالمعرفة الضرورية لذلك.

لقد درجت مناهج تدريس الكتابة الإبداعية التقليدية على تأكيد أن الكاتب، وتحديداً الكاتب الشاب، إنما يعتمد في كتاباته على عنصرين أساسين هما: الموهبة ورصيد قراءاته المتنوع. لكن، عالم الكتابة الإبداعية الحديث، نسف هذا الفهم، وأكد أن الكاتب بقدر ما يحتاج ويركن إلى موهبته ورصيد قراءاته، يحتاج إلى معرفة أساسية بعناصر كتابة الجنس الأدبي الذي يخوض في كتابته.

ووقوفاً عابراً عند العناصر الأساسية لكتابة القصة القصيرة، يظهر ضرورة إلمام الكاتب/الشاب بماهية ومعنى ودور كل من: "الزمان، المكان، الحدث، الشخصية، اللغة، الخيال، الحبكة، الرسالة"، وأن غياب أي من هذه العناصر عن الكتابة القصصية سيؤثر على شكل ومضمون القصة، ويقدمها ناقصة عما يجب أن تكون عليه.

إن عشق شخصٍ ما، رجلاً كان أو امرأة، لعالم الطيران لا يؤهله أبداً لأن يكون طياراً، تأتمنه أي شركة طيران لرحلاتها القصيرة أو البعيدة. والأمر عينه في اهتمام أي إنسان بأمور الطب، إذ لا يجعله ذلك طبيباً. ومؤكد أن عشق الكتابة وحده لا يمتلك القدرة على الطيران بكاتب شاب إلى آفاق الكتابة الإبداعية، وإن حصل مرة، فهو الاستثناء الذي يوجب على الكاتب الدرس والتعلم لضمان كتابة عملٍ ثانٍ مبدع.

إن زيادة ملحوظة في عدد الكتّاب الشباب العرب، في مختلف أقطار الوطن العربي، انعكس بشكل مباشر على زيادة عدد دور النشر، وتحديداً تلك التي تتعامل مع النتاج الشبابي. وهذا ما أنتج عدداً كبيراً وكبيراً جداً من الكتابات الشبابية، وإذا كانت هذه ظاهرة إيجابية تبعث على السرور والأمل، فإن المُلاحَظ والمتداوَل هو أن نتاجاً كبيراً من هذه الأعمال الشبابية جاء ضعيفاً ودون المستوى المطلوب للكتابة الإبداعية، وأظن أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تدني مستوى كتابة بعض الشباب، إنما يعود إلى افتقارهم لمعرفة العناصر الرئيسية للكتابة الإبدعية، وكذلك عدم انخراطهم في دورات وورش كتابة متخصصة. إضافة إلى انتشار دور النشر التجارية التي تتخذ من الربح منطلقاً لها، فهي تأخذ مقابلاً مالياً من الكاتب الشاب لطباعة أي عمل قصصي أو روائي أو شعري له، وفي الآن نفسه لا تكلف نفسها بعمل التحرير الضروري لأي نص، بدءاً بالتصحيح اللغوي وانتهاء بالتأكد من سوية الأعمال المراد طبعها ونشرها.