واو العطف التي تتوسط كلمتي النظرية والتطبيق ليست عطوفة كما يبدو من اسمها، ولا دمعتها على خدها، والقطط بتاكل عشاها، هي من نوع "السوسة" الذي يفرق ولا يجمع، مع الاعتذار للدؤلي وصحبه تجعل النظرية في واد حوالينا والتطبيق في واد آخر بالقطب الجنوبي!

ماركس صاحب النظرية الشيوعية وأثناء خلافه مع زوج ابنته بول لافاراج حول تفسير البرنامج العمالي الذي حاول فيه "النسيب لافاراج" تطبيق نظرية عمه بطريقة تخرجها من بيت طاعة دماغ ماركس ذاته قال جملته الشهيرة: "إذا كانت هذه هي الماركسية... فمن المؤكد أنني، أنا، لست ماركسياً!". وكذلك نظرية روجرز الممثل الفكاهي الشهير حول الانسياب الاقتصادي، والتي ذكرها كنكتة وتحولت بالتالي إلى تطبيق اقتصادي في عهد ريغان وبوش الأب والابن ثم ترامب، روجرز هذا في إحدى فقراته الكوميدية أثناء الكساد العظيم في عشرينيات القرن الماضي تندر على إصلاحات هوفر الرئيس الأميركي وقتها، فقال: "تم تخصيص كل الأموال للطبقات الغنية، على أمل أن تنساب إلى المحتاجين!".

Ad

وضحك الجمهور الأميركي وقتها ودارت الأيام، فالتقط ريغان الفكرة و"باصاها" لبوش الذي بدوره مررها لترامب ليسكنها على صدره في وقتنا الحاضر، وطبقوها جميعا، بحيث تضخ الأموال نحو الأعلى لتكون كالمد الذي يرفع القوارب الصغيرة والكبيرة على حد تعبير كينيدي، ولكن الأمر تحول إلى كارثة فزاد العجز واتسع التفاوت بين الطبقات في الولايات المتحدة وبشكل كارثي! قد يتساءل البعض لماذا أذكر شامي الماركسية ومغربي الرأسمالية هنا، وأعتب على واو العطف المصونة بين نظريتهما وتطبيقها في مقدمة المقال؟ نعم الجواب هو ما فكرتم فيه تماما، كل "سماجة" واوات العطف في العالم لا توازي ثقل دم واو عطف ترقد بين نظرياتنا وتطبيقنا، 183 نظرية دستورية كان بينها وبين تطبيقها بيدٌ دونها بيدُ، آلاف الأحلام التنموية ولدت كنظرية وماتت في عمر زهور النظريات، ولم تتح لها فرصة لتكبر، وتصبح رحيق تطبيق "قد الدنيا" يقف النحل التنموي على بابه خاطبا ويصيغة عسلا تطوريا ينفع البلاد والعباد ويعيشوا بسبات ونبات، ويخلفوا مشاريع وتنميات.

أخيراً انظروا إلى حال مجلس الأمة نظرة الدستور الأولى، والذي شغلته تطبيقات الأجهزة الذكية وخصوصا مواقع التواصل عن دوره الأساسي، وهو نحت صرح التطبيق من صخور آل نظريات الدستورية، انشغل عنا وهو من يجب أن يمثلنا بصراعاته الشخصية ولزوم ما لا يلزم من الإنجازات الوهمية وفوبيا الانتخابات التي تسكن وجدانه، انشغل عنا ولم ينشغل بنا وبهمومنا، وصاح في وجوهنا، ولم يدلنا على وجهة سليمة حتى أصبح المواطن حينما يشاهد عميان التطبيق يقودون نظريات مبصرة لا يملك إلا أن يردد كماركس: "إذا كانت هذه هي الديمقراطية... فمن المؤكد أنني، أنا لست ديمقراطياً!