لا شك أن طرحاً مماثلاً غير مستساغ، ولكن على الولايات المتحدة أن تعزز تدخلها في صراعات العالم الأكثر زعزعة للاستقرار.

نتحدث عن ليبيا، فما زال هذا البلد الإفريقي الشمالي يتخبط في الفوضى مع تردد تأثيرات هذا الصراع في ثلاث قارات، وما من حلول تلوح في الأفق. نتيجة لذلك، تنشأ حاجة، وحاجة ملحة، إلى مستوى من التدخل الدبلوماسي وحدها الولايات المتحدة قادرة على تقديمه، ومن المرجح أن تزداد ليبيا اضطراباً كلما طال الصراع لتتحول عندئذٍ إلى خطر كبير يهدد المصالح الأميركية في منطقة مهمة وهشة من العالم.

Ad

بعدما أطاحت انتفاضة الربيع العربي، التي تحولت إلى ثورة، بالحاكم المستبد معمر القذافي في عام 2011، حدثت في ليبيا تصدعات لا تحصى، وفي هذا البلد اليوم فصيلان سياسيان رئيسان متنافسان: تتمتع حكومة الوفاق الوطني، التي تحظى بدعم الأمم المتحدة وتتمركز في طرابلس ببعض السلطة في الغرب، في حين تسيطر الحكومة التابعة لمجلس النواب في طبرق شرقاً.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل في هذا البلد عدد من المجموعات المسلحة. يقود المشير خليفة حفتر ما يدعى الجيش الوطني الليبي الذي يتعاون مع مجلس النواب، وفي المقابل، تدعم كتائب مصراتة حكومة الوفاق الوطني، لكن هذه التحالفات، سواء مع الجيش الوطني الليبي أو كتائب مصراتة، تبقى مجرد ائتلافات غير وطيدة تختلف درجات ولائها للفصائل السياسية.

جاء رد الفعل الدولي تجاه هذه المعمعة مجزأ وغير فاعل، مما أتاح في المجال أمام قوى أجنبية لتسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة في ليبيا، التي تكون أحياناً متضاربة، فضلاً عن أن الكثير منها يعرقل القدم نحو حل سياسي دائم.

يتلقى حفتر الدعم الرئيس من مصر والإمارات العربية المتحدة لأنهما تعتبرانه عموماً سداً في وجه المجموعات الإسلامية في ليبيا، التي يحصل بعضها على المساعدة من دولة خليجية، وفي المقابل لا تعترف الأمم المتحدة إلا بحكومة الوفاق الوطني وترفض القبول بالحكومة المؤقتة في البيضاء التي شكّلها مجلس النواب الموالي لحفتر. تعكس هذه المعمعة المريعة مدى الحاجة إلى القيادة الأميركية. فعلى الولايات المتحدة أن تسعى إلى إقناع اللاعبين المختلفين بالضغط على مواطنيهم الليبيين بغية التوصل إلى اتفاق سياسي حقيقي ومن ثم تحميلهم مسؤولية الالتزام به، وينبغي لها أيضاً أن تقود الجهود للحد من تأثير الأزمة الذي يلحق الضرر بالدول المجاورة، مثل تونس.

بالإضافة إلى ذلك، جذب الفراغ في ليبيا اهتمام روسيا. تُعتبر ليبيا، بسبب موقعها القريب من أوروبا والشرق الأوسط، ونفطها، ومكانتها كمحور للهجرة، مكاناً تستطيع روسيا استغلاله لتثير المشاكل من دون تكبد عناء كبير، إذا نجحت في كسب النفوذ الكافي.

أخيراً، يمارس عدم الاستقرار الليبي ضغوطاً كبيرة على منطقة هشة، وتُعتبر تونس المتضرر الأكبر، إلا أن الضرر يطول أيضاً دولاً أكثر بعداً، منها مالي وسورية، وهما اثنان من أكثر من 12 بلداً على الأرجح تتدفق إليها الأسلحة الليبية منذ عام 2011.

تعجز الولايات المتحدة عن حل هذا الصراع المعقد والمبهم، إلا أنها تبقى الدولة الوحيدة التي تتمتع بالنفوذ الكافي للضغط على كل اللاعبين بهدف التوصل إلى اتفاق حول كيفية التعاطي مع ليبيا، لكن الوقت قصير، بما أن غياب مقاربة موحدة يضاعف الكثير من المشاكل التي تفرضها المعمعة الليبية على الشعب الليبي، المنطقة، والعالم.

* جيمس كارافانو

*«ذي هيل»