كما كان متوقعا وجهت مدينة القدس الباسلة مع أهل الجولان المحتل صفعة مدوية للاحتلال، ولمخططات الضم والتهويد التي ينفذها فيما يعتبر في عرف القانون الدولي جريمة حرب لم تحاسب إسرائيل عليها حتى الآن.

وإذ حاولت سلطات الاحتلال استغلال الانتخابات البلدية الإسرائيلية مرة أخرى لتثبيت واقعة الضم غير القانوني، وإظهار أن سكان القدس والجولان موافقون عليها، فإنها فوجئت برد الفعل الفلسطيني والسوري الجولاني الحاسم.

Ad

في مسعدة وبقعاتا انسحب كل المرشحين للانتخابات، أما مجدل شمس وعين قينا فقد شهدت مظاهرات شعبية عارمة ضد المشاركة في الانتخابات البلدية الإسرائيلية، وحاصر المتظاهرون مراكز الاقتراع وأوقفوا عملها رغم الاعتقالات، وقنابل الغاز والرصاص المعدني التي انهالت عليهم، ومن بين خمسة عشر ألفا لم يشارك في التصويت سوى ثلاثين شخصا، ومن المفيد أن يُعرف أن 98% من سكان الجولان السوريين يرفضون حتى اليوم، وبعد واحد وخمسين عاما من الاحتلال، قبول الجنسية الإسرائيلية أو التخلي عن جنسيتهم السورية العربية الأصيلة.

أما القدس، فلم يشارك في انتخاباتها سوى 1.5% من المصوتين أي أن 98.5% من سكان القدس العرب قاطعوا الانتخابات، رغم ما بذلته الأحزاب الصهيونية من الليكود إلى حزب العمل من جهود لجر الناس للتصويت، ورغم ترشح حفنة أشخاص معزولين من سكان القدس العربية على قوائم هذه الأحزاب، ورغم الاعتقالات وأعمال القمع التي قام جنود الاحتلال وأجهزة مخابراته ضد الناشطين الفلسطينيين.

الناس يدركون تماما مغزى المشاركة في التصويت في مدينة القدس وهضبة الجولان، واختلافه الجذري عن تصويت الفلسطينيين في أراضي 1948، باعتبار أنه كان سيستغل من قبل إسرائيل للادعاء بأن الفلسطينيين رضخوا لقرار ضم وتهويد القدس والجولان.

والعبرة فيما جرى، وفي النتائج التي أحدثتها الصفعة في وجه الاحتلال، أن القوى العسكرية الغاشمة، وإن كانت تستطيع فرض احتلالها للأرض، وأن تشرع قوانين اضطهاد عنصري، وأن تخرق القوانين الدولية وتفرض وجود مستوطنيها بالقوة العسكرية الهوجاء، فإنها ستبقى عاجزة، مهما بلغ جبروتها، عن احتلال عقول وعواطف الناس، وعن كسر إرادتهم على الصمود والمقاومة، حتى بعد واحد وخمسين عاما من الاحتلال العسكري، ورغم حالة التراجع والتطبيع المشين في المحيط، وبغض النظر عن عوامل الضعف الداخلية من انقسام وخلافات.

ما من شك أن أكثر الفلسطينيين إحساسا بالألم والمعاناة هم أهل القدس، وما من مجال للتقليل من شأن ما عاناه أهالي الجولان الصامدون وهم يرون وطنهم سورية يعيش حربا مدمرة قاسية، ومؤامرات، وتقسيما، وتشتتا.

ومع ذلك فلا أهل القدس ولا أهل الجولان تخلوا عن الأمل، أو عن مبادئهم الوطنية، أو عن إحساسهم المشرف بالكرامة، أو عن إصرارهم على مقاومة الضم والتهويد. لم ولن يسمحوا لأحد أن يتلاعب بانتمائهم لشعبهم، وتاريخهم، ووطنهم.

كل الاحترام والتحية لهم.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية