لا يشعر الجمهور العراقي بأن حكومة عادل عبدالمهدي الجديدة تمثل تغييراً عميقاً في الإدارة ونوع الآمال والرهانات، بعد 15 عاماً من سقوط نظام صدام حسين وموجات العنف المستمرة والفشل في توفير الخدمات والاستقرار، بل إنهم يتهمون الرجل بأنه من مؤسسي النظام الموصوف بالفشل المزمن.

لكن العراقيين في الوقت نفسه بدأوا يتحدثون، فور مصادقة البرلمان على التشكيلة الوزارية الناقصة، عن أن عبدالمهدي من الفريق الذي يتبنى السياسات العقلانية في إدارة أزمات الداخل، وبناء الشراكات المتوازنة مع الخارج، إذ يشكل مع رئيس الجمهورية الكردي برهم صالح فريقاً ترك مساهماته الواضحة، طوال أعوام، في التبشير بنهج الحوار بين المكونات، بعيداً عن الإقصاء وقمع الدولة، ونزع التوتر مع المحيط العربي، وإحياء العلاقات القديمة والمصالح المشتركة التي أهملتها حروب عمرها أربعة عقود.

Ad

ويتبنى عبدالمهدي، المتحدر من الجنوب الشيعي، نظرية توازن إقليمي ودولي مهمة، تدعمها مرجعية النجف الدينية التي تؤثر روحياً على معظم الشيعة في العالم، وتتبناها القوى العلمانية واليسار العراقي إلى حد كبير، مفادها أن العراق الفاشل سيكون دوماً عبئاً على الشرق الأوسط، نظراً لخطورة موقعه الجغرافي والسكاني والاقتصادي، كما أن تحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران سيجعل رهانات البيت الأبيض تفشل بنحو مؤلم في الشرق الأوسط، داعين إلى جعل العراق محطة هدنة تنمي فرص الاستثمارات الاقتصادية العملاقة، وتشكل استثناءً من أي مواجهة مع إيران، مقابل تمسك بغداد بشراكة متوازنة مع الجميع.

وتترك هذه الأجواء تفاؤلاً مشوباً بالحذر عند العراقيين، الذين يهمهم بقاء السلام الداخلي وتعزيز الانفتاح والتعاون الأمني والاقتصادي، خصوصاً مع المحيط العربي ومنطقة الخليج، لكن لديهم أولويات أخرى يحاول عبدالمهدي مغازلتها، فقد أمر بفتح المنطقة الخضراء شديدة التحصين، والتي تقع فيها أهم مباني الحكومة والقصور والسفارات، لكنها تخنق قلب العاصمة منذ 15 عاماً، وعقد اجتماع حكومته الأول خارج هذه المنطقة، كما وعد بإصلاحات سريعة تتعلق بوضع 400 مسؤول تنفيذي كبير جرى تعيينهم بشكل حزبي غير قانوني، مستنداً إلى أن حكومته هي أول تشكيلة وزارية، بعد صدام حسين، تكاد تخلو من الوجوه الحزبية التقليدية، التي لا يحبها الجمهور.

وإذا كانت هذه الوعود تمثل اختباراً للتشكيلة الجديدة، فإن الجمهور بدأ يشعر بأن الأحزاب صارت تخشى غضب الناس لأول مرة، وأخذت تسارع إلى تغييرات قد تبدو شكلية أحياناً، لكنها ستعني أن السلطة تأخذ الجمهور على محمل الجد وتتحاشى غضبه، خصوصاً بعد تظاهرات البصرة التي أحرقت مقرات الأحزاب والميليشيات وقنصلية إيران، الصيف الماضي، تعبيراً عن غضب شعبي يهدد كل النظام إذا تأخر الإصلاح.

ومن المؤكد عند المراقبين أن الشخصيات الحزبية لم تكن لتتخلى عن رغبتها في البقاء بالوزارات، لولا موجات متكررة من غضب المحتجين المتصاعد، وهي أخطر ورقة بيد الجناح المعتدل في وجه مناورات لن تتوقف عند حلفاء طهران، خصوصاً، ومافيات الفساد المالي الموزعة في كل المكونات.