أَعود بكم إلى تعريف حدود الحرية لجون ستيوارت ميل «السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو (جزءا منها) تتدخل في حرية أحد أعضائها أو تصرفه هو حماية النفس فقط، وإن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف».

نصوص كثيرة تناولها الدستور الكويتي مقتبسه من الشرائع السماوية ومن الإرث الحضاري للبشرية والدساتير الوضعية لدول سبقتنا في تطبيق مفهوم الحرية، ومنها على سبيل المثال العدل والحرية والمساواة دعامة من دعامات المجتمع، كما نص الدستور على أن الناس متساوون بالحقوق والواجبات العامة، ورفض التميز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين، كما كفل لهم حرية الرأي والبحث العلمي والحق بالتعبير بالقول أو الكتابة، فجعل منها غاية لحفظ وصون كرامتهم الإنسانية.

Ad

هذه الحقوق التي نص عليها الدستور الكويتي لم تكن يوماً حبراً على ورق، لكنها واقع نعيشه تجلى في أبهى صوره في لقاء سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح بأعضاء الديوان الوطني لحقوق الإنسان، من خلال رده على سؤال الأخ علي البغلي «لا نريدكم أن تصيروا بمخباتنا فنحن نريدكم أن تكونوا أحرارا، وفي الوقت نفسه لا تنسوا أنها (الكويت) بلدكم، وكما أننا مسؤولون فأنتم مسؤولون».

هذا التصريح دعوة من «أبو السلطات» لتطبيق الحرية قولاً وعملاً لتكريس معنى الحرية المسؤولة، لذلك لم يعد من اللائق أن نسمع من أي مسؤول كلمة «فلان له رأي لا نستطيع السيطرة عليه»، مادام هذا الرأي يدور في فلك الحرية المسؤولة والمصلحة العامة.

الحرية المسؤولة تقودنا إلى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي والذين أضحى بعضهم يشكل خطراً على المجتمع ليس من باب حرية التعبير التي كفلها المشرع ولكن بسبب زيف المعلومة وكثرة التزلف الذي صار عنواناً للبعض.

إبداء الرأي في القضايا المحلية والعالمية سواء بالتحليل أو النقد يجب ألا يرضخ للترهيب ولا إلى الأهواء، لذلك بات من الضروري تعديل قانون المرئي والمسموع بما يتناسب وحرية التعبير، ويتماشى مع ما نص عليه الدستور، فالعالم من حولنا يتغير والدول المتقدمة لا تعتبر الكلمة جريمة ما لم تتجاوز الخصوصية.

هذا القانون استغله البعض كمقصلة سلطت على رقاب مغردين تنقصهم الخبرة القانونية بعد أن ظنوا أن وسائل التواصل الاجتماعي منصات مباحة للتعبير عن آرائهم، لذلك على المشرع تدارك هذا الوضع بسرعة التعديل عليه، فمن غير المقبول استمرار الوضع على ما هو عليه في حين غيرنا يتقدم إلى الأمام ونحن نتراجع إلى الخلف، ومن غير المقبول أيضاً أن يدخل أبناؤنا إلى السجن بسبب حماستهم وتعليقهم على الأوضاع الداخلية أو الخارجية.

غياب الوعي تقع مسؤوليته على الدولة، والمجتمع حديث عهد باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والقوانين وجدت من أجل حماية المجتمع من ضرر التطرف الفكري والعقائدي والأخلاقي، أما إبداء الرأي في المسائل الأخرى فيظل في دائرة حرية الرأي، كما يظل القانون مسطرة العدل يطبق على الجميع بمسافة واحدة.

نقطة أخيرة؛ رغم كل شيء تبقى الكويت غير، نقول ونكتب بحرية ودون إملاءات من أي طرف مادام الذي نتكلم عنه يدور في فلك الحرية المسؤولة.

ودمتم سالمين.