لم تعد لخطة التنمية تلك الأهمية الكبيرة التي كان من المفترض أن تكون عليها قبل نحو 9 سنوات، عندما اعتبرتها الدولة مشروعها الأضخم نحو التحول إلى مركز تجاري ومالي، إذ لم تكد تبدأ الخطة بسنواتها الخمس في عام 2009 حتى تبين التعثر في التنفيذ والانحراف في الأهداف، لتعلن الحكومة فشلها في السنة الثالثة من عمر الخطة، على اعتبار أنها "لم تكن مرتكزة على قواعد صحيحة"، حسب إعلان نائب رئيس الوزراء وزير المالية وقتها الشيخ سالم الصباح، لتتحول إلى خطة خمسية جديدة اعتبرتها الحكومة، من خلال وزيرة المالية هند الصبيح وقتذاك، "أقرب إلى الواقع، دون إبهار المجتمع بوعود لا يمكن تنفيذها".

Ad

«أكثر صرامة»

اليوم تستعد الدولة لإعلان خطة جديدة، لتصبح حسب إعلان المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية "أكثر صرامة من سابقاتها"، مما يشير إلى أن الخطط السابقة كانت منفلتة وغير فعالة، والأهم من ذلك كله أن الخطة ستكون على نسق تتضاءل فيه القيمة والأهمية، خصوصاً أن خطة التنمية التي يفترض أنها مشروع الدولة الاقتصادي والتنموي الأول تشابكت مع مشاريع حكومية أخرى لا يعرف ما لها الأولوية على الاخرى، مثل وثيقة الاصلاح الاقتصادي والمالي، ووثيقة استدامة ورؤية 2035، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض هذه المشاريع منسوخة من خطط سابقة وحالية، وأغلبها تفتقر إلى سلامة الاهداف، فضلاً عن ضعف آليات التنفيذ، لتعبر عن جانب من فوضى الإدارة العامة بلا تكامل أو تخطيط.

ومع إعلان المجلس الأعلى للتخطيط، هذا الأسبوع، أن المشاريع الإنشائية تعد أهم الأذرع الأساسية ضمن خطة التنمية، فإننا أمام انحراف جوهري لمفهوم وقيمة التنمية عند الجهة المناط بها مسؤولية التنفيذ، مما يقلل من أي تفاؤل بشأن إنجاز خطة التنمية لأهدافها، مهما تدنت أو تضاءلت محاورها أو أهدافها.

عدم نجاح

وتاريخيا، لا تنجح خطط التنمية في الكويت في تحقيق، ولو 40 في المئة من مستهدفاتها، خصوصاً الجوهرية المرتبطة باختلالات الاقتصاد الرئيسية منها، غير أن ما نشره مركز البحوث والدراسات الكويتية، من خلال نشرة "رسالة الكويت" الفصلية عدد يوليو 2017، يشير إلى أن الكويت لم تنجح في أي خطة تنمية كما نجحت في الخطة الخمسية من 1952 إلى 1957.

فخطة التنمية لعام 1952، التي بلغت قيمتها 90 مليون جنيه إسترليني، لم تكن مثالية تماماً من حيث عدم نصها على توطين الوظائف أو تطوير التعليم، إلا أنها حققت معظم هذه الأهداف كنتائج لاحقة مع أهدافها الأساسية المتعلقة بالتوسع العمراني إلى خارج المدينة، بجانب إنجاز البنى التحتية من ميناء ومطار وشبكة الطرق، والخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والرعاية السكنية، وفقا لقراءات مبنية على توقعات عدد السكان وأهداف التوسع الاقتصادي والتجاري، فاستفادت منها الكويت حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهذا لم يكن وليد الصدفة، فقد نصت المراسلات بين أمير دولة الكويت المغفور له الشيخ عبدالله السالم في فبراير 1952 مع الخبير البريطاني الجنرال وليام هستيد على أن "ما يجري عمله الآن سوف يؤثر في حياة الأجيال القادمة من الكويتيين لعدة سنين مقبلة، ولذا ينبغي النظر بشكل مفصل إلى كل جوانب التنمية، التي يجب أن تنفذ كخطة متكاملة تشمل جوانب الإسكان والتجارة والرفاه جميعها معاً، وليس كل جانب منها على حدة".

ثلاث نقاط

والمستفاد من خطة التنمية لعام 1952 يمكن تلخيصه في 3 نقاط، وهي:

- القرار النهائي، مهما تنوعت الاستشارات، كان محلياً ومتناسباً مع طبيعة المجتمع، دون انبهار مبالغ فيه بآراء الأجانب، فمعظم الخطوات التنفيذية اتسمت بالمحلية وفهم طبيعة المجتمع المتحول إلى التعامل مع دولة جديدة، وما يصاحبها من سياسات التثمين أو توزيع الثروة أو خلق الوظائف الحكومية او التعامل مع الشركات المحلية او الاعفاءات الضريبية للسكان، فكان العديد من قرارات هستيد يجري نقضه من الحاكم، أو منهم هم في الإدارة الحكومية، الذين يتعاملون مع النصائح بمدى فاعلية تطبيقها في المجتمع الكويتي، بل إن ما يعرف بالشركات الخمس البريطانية، التي تقاسمت مشاريع الدولة على أساس سعر التكلفة زائد %15 كهامش ربح، تم إخضاعها لسلطة دائرة الاشغال الكويتية لمراقبة التنفيذ والإنجاز وآليات الصرف، وعندما دبت الخلافات بين الكويت وهذه الشركات رفض الشيخ عبدالله السالم، في فبراير 1953، تجديد عقودها، ليقدم الجنرال هستيد استقالته في شهر مارس 1954.

- كانت خطة 1952 عبارة عن مشروع دولة لم تزاحمها أي خطة أخرى، فضلا عن أنها كانت مترابطة في الأبعاد والأهداف والمقاصد، ونحجت في توظيف مداخيل النفط لتطوير خدمات اساسية. ورغم أنها كانت خطة غلب عليها جانب المشاريع وأعمال المقاولات، فإنها مثلت جانبا جوهريا في الانتقال من الإمارة الى الدولة، فمثلا عمليات التوسع العمراني ارتبطت مع توقعات عدد السكان في المستقبل، ومشاريع البنى التحتية كالمطار والموانئ طرحت وفقا لقراءات انفتاح الكويت على العالم، لا سيما في مجالات التجارة وصادرات النفط، بالاضافة الى نمو حركة السفر المتوقعة مع التعليم النظامي وتأسيس الدوائر الحكومية، وحتى توزيع الأراضي الزراعية استهدف تحقيق الأمن الغذائي، وإن كان بعضها على شكل منافع غير مستحقة.

- الخطة اتسمت بالواقعية والانضباط معاً، بمعنى أن اهدافها كانت واضحة ومباشرة، وتتلخص في تحول المدينة القديمة الى كيان حديث نسبيا ذي ارتباط اوسع من السابق مع العالم الخارجي، تمهيدا للتحول الى دولة، كما حدث عام 1961، فضلاً عن أنها خضعت لإشراف مباشر من الحاكم وقتذاك الشيخ عبدالله السالم، لمنع أي انحراف في الأهداف، والتأكيد على سلامة أوجه الصرف مقارنة بالإنجاز.

وضع الأسس

لم تكن خطة 1952 مثالية، وبالتأكيد شابها بعد سنوات العديد من التشوهات والانحرافات، والبعد عن المقاصد والأهداف، لكنها وضعت أسسا لكيفية الانتقال من حال الى آخر، متى ما وظفت الادارة الأموال لتحقيق رؤيتها ومشروعها، وهو ما يغيب اليوم عن صانعي السياسات التنموية ومنفذيها الذين يقللون من تطلعاتهم، رغم جسامة التحديات.