أعاد مجلس الوزراء، أخيراً، عدداً من الجنسيات التي تم سحبها لأسباب سياسية، منذ صيف ٢٠١٤، والتي استُخدمت كسلاح "دمار شامل"، في مواجهة حراك سياسي للقضاء عليه وتفتيته، وفي إطار حزمة إجراءات تُضيّق على حرية التعبير بكل أشكاله، إلا أن التعامل مع الجنسية بالذات، خلافاً للمواضيع الأخرى، بمنطق سياسي، يفتح الباب أمام إضعاف قيمة المواطنة وحصانتها، ويجعلها نهباً للأهواء السياسية، يدفعها مسؤول هنا أو مسؤول هناك.

أما السؤال المفتوح الذي أظنه سيبقى دون إجابة فهو: حيث إن إعادة الجناسي جاءت بأسلوب وآلية سياسية بحتة، وليست قضائية، وفي إطار مفاوضات وضغوط سياسية، فعلى أي أساس تم سحب الجنسيات التي تمت إعادتها؟ وهل تعتبر إعادة جناسي أولئك الأشخاص هي بمثابة إقرار بوجود خطأ في عملية السحب؟ فإن كان الأمر كذلك، فهل سيتم فتح تحقيق فيما جرى، على شاكلة "لجنة ثامر" مثلاً؟ ومن ثم محاسبة المخطئ الذي تسبب في الإضرار بكرامة مواطنين آمنين، ومشاعرهم، وأهليهم؟ وهل سيتم تعويض المواطنين عن الأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية، التي مروا بها؟

Ad

وما ضمانات عدم تكرار ذلك مرة أخرى؟ بمعنى آخر: ما ضمانات عدم اندفاع كائن من كان في السلطة لانتقاء أشخاص لا يحبهم سياسياً أو اجتماعياً، وسحب جناسيهم؟

أما إن كانت الحكومة تعتقد أن إجراء سحب الجناسي كان صحيحاً، وأن الرجوع عنه ليس لخطأ فيه ولكن لمواءمة سياسية، فإن ذلك يقودنا إلى إشكالية أكبر، وهي أن الجنسية التي هي أساس المواطنة والركن الرابع للدولة، لا تعدو كونها مسألة سياسية خاضعة للمزاج، وليست أساساً للمواطنة.

إلا أن هناك ما هو أهم من ذلك، وهو إيجاد إجراءات قانونية تضمن للناس عدم تكرار سحب الجناسي لأسباب سياسية، وإخضاع كل حالات سحب الجنسيات للقضاء، من خلال تغيير قانون المحكمة الإدارية.

إن لم تُطرح مسألة حماية المواطنة وتحصينها من تغول السلطة دون وجه حق، بجدية، وإيجاد الآليات الفاعلة بذلك، فكل ما علينا أن ننتظر أزمة سياسية قادمة، لتتكرر ذات الإجراءات... وأتمنى ألا يحدث ذلك.