هناك معلومات، يبدو أنها صحيحة، تتحدث عن أن الولايات المتحدة بصدد إعداد "خريطة طريق" جديدة لاستراتيجيتها السورية، فالفترة الأخيرة تشهد تحولاً فعلياً في مواقف واشنطن، يختلف فعلياً عما كانت عليه الأمور، سواء فيما سبق من سنوات، إن في عهد هذه الإدارة الجمهورية، التي على رأسها دونالد ترامب، وإن في عهد الإدارة الديمقراطية السابقة، التي كان أداؤها رديئاً، لا بل وتآمرياً بكل معنى الكلمة، والتي سلّمت سورية تسليماً للروس والإيرانيين، وعززت بقاء هذا النظام السوري، الذي كان على وشك الانهيار، وكان رئيسه يعد نفسه للمغادرة.

فبحجة القضاء على "داعش"، تتضمن هذه الاستراتيجية الآنفة الذكر إبقاء الولايات المتحدة على قواتها في مناطق شرق الفرات وفي قاعدة "التنف"، إضافة إلى مساندة وتعزيز ما تقوم به في منطقة إدلب، وما تقوم به من ضغط جدي حتى على روسيا لإخراج إيران من سورية، بداية عسكرياً ثم سياسياً، والمؤكد كما هو واضح أن هذه المسألة جدية، وأن الروس باتوا يدركون هذا، ولذلك فإنهم يحاولون بقدر الإمكان الإبقاء على وجودهم في هذا البلد الذي يبدو أن واشنطن أدركت بعد طول تلكؤ أنه رئيسي وأساسي و"حجر الزاوية"، كما يقال، في هذه المنطقة الاستراتيجية والحيوية المهمة إن الآن وإن على المدى البعيد.

Ad

وما يؤكد هذا الاهتمام الأميركي المستجد بسورية وبهذه المنطقة الشرق أوسطية كلها هو أن واشنطن قد بادرت إلى اندفاع جدي وفعلي في اتجاه تركيا بعد إطلاقها سراح القس الإنجيلي، الذي بقي لفترة طويلة في السجون التركية كرهينة مقابل الاحتفاظ الأميركي بخصم رجب طيب إردوغان، فتح الله غولن، والواضح أن المياه ستعود إلى مجاريها بين الأتراك والأميركيين، وستستعيد أنقرة مكانتها السابقة كعضو رئيسي في حلف شمال الأطلسي.

ولعل ما يؤكد أن الولايات المتحدة باتت أكثر اهتماماً بسورية وأزمتها، قياساً بما كانت عليه الأمور في السنوات الماضية منذ عام 2011، أنها غدت تبدي جدية فعلية في اتجاه حل سياسي برعاية دولية لأزمة هذا البلد، الذي غدا مدمراً وممزقاً رغم كل المساحيق التجميلية التي يحاول نظام بشار الاستعانة بها لإظهاره خلافاً لما هو عليه، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 و"جنيف 1"، والمرحلة الانتقالية، والدستور الجديد الذي تجرى آلاف المحاولات الجدية لتشكيل اللجنة الفنية التي من المفترض أن تقوم بإعداده في فترة غير بعيدة.

وبالطبع فإن ما هو مؤكد أن الروس، رغم أنهم يظهرون غير هذا، سيواصلون التملص عما كانوا قد وافقوا عليه في هذا المجال، وأيضاً في مجال الضغط الجدي الذي تمارسه الولايات المتحدة لإخراج القوات والميليشيات والمخابرات الإيرانية من سورية، وهنا فإن ما يعزز القناعة بأن أميركا جادة هذه المرة أنها باتت أكثر عناية واهتماماً بالمعارضة السورية المعتدلة، وهناك معلومات على جانب كبير من الصحة بأن واشنطن تقدم دعماً فعلياً للجيش الحر وللتشكيلات العسكرية الأخرى لهذه المعارضة.