انضمت دولة قطر إلى العهدين الدوليين: الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "مارس 2018"، وقد سبق انضمامها إلى جملة من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" و"اتفاقية مناهضة التعذيب" و"اتفاقية حقوق الطفل" و"اتفاقية مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة" و"اتفاقية مكافحة الجريمة"، وبذلك تكون قطر استكملت انضمامها إلى الاتفاقيات الحقوقية الدولية.

رحبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية بهذه الخطوة المهمة والإيجابية، كونها تسهم في الارتقاء بحقوق الإنسان بدولة قطر، وثمن الدكتور علي بن صميخ المري، رئيس اللجنة، موافقة مجلس الوزراء، كونها تشكل أهمية كبيرة لدولة قطر، لجهتين:

Ad

1- كون العهدين الدوليين، شرعة دولية استوعبت جميع أحكام حقوق الإنسان، ويعتبر انضمام الدول إليها "معياراً إيجابياً" في موقفها من حقوق الإنسان.

2- كون العهدين الدوليين يتضمنان نوعاً من الإشراف والرقابة الدولية على تطبيقهما.

وأود بهذه المناسبة أن أشيد بجهود اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، التي ركزت جل اهتمامها ونشاطها، ومنذ نشأتها، على انضمام دولة قطر إلى هذين العهدين، وظلت متمسكة به في توصياتها في تقاريرها السنوية إلى الحكومة بضرورة، لا تكل ولا تيأس، حتى أثمرت الجهود، بهذه الخطوة المشرفة، فتحية مستحقة لها.

واستكمالا لهذا الحدث المهم وافق مجلس الوزراء على تشكيل لجنة عليا برئاسة الأمانة العامة للمجلس لدراسة التشريعات والقوانين المعمول بها في دولة قطر، ومدى ملاءمتها مع أحكام هذين العهدين.

رحب الكاتب عبدالله بن حيي السليطي، بهذه الخطوة، تأكيداً لجدية الدولة في تفعيل واستكمال الإجراءات الواجبة لتنقيح وترقية القوانين المحلية الهادفة لتتوافق مع متطلبات العهدين الدوليين، متمنياً أن تأخذ اللجنة في الحسبان، وضع تحفظات على ما يعارض "الدين الإسلامي والعادات القويمة التي جبل عليها المجتمع القطري".

وعلى أهمية توصية الكاتب الفاضل للجنة الموقرة بإبداء تحفظاتها تجاه ما يخالف الدين والعادات، إلا أن الخشية حاصلة أن تأتي التحفظات معيقة لتفعيل الاتفاقيات على أرض الواقع، وناسفة لجوهرها ومضامينها وأهدافها في حماية حقوق الإنسان، كما هو حاصل في كثير من التحفظات التي تبديها الدول على الاتفاقيات الدولية، وذلك ما لم يتم التوضيح وبشكل دقيق: ما هو من الثوابت الدينية والوطنية والثقافية التي ينبغي التحفظ على ما يخالفها، وما هو من الآراء الفقهية والعادات والأعراف التي ينبغي تجاوزها وتعديل تشريعاتنا المحلية وفقاً لها.

تحفظات الدول العربية على الاتفاقيات الدولية مضحكة، وتثير انتقادات واسعة لدى المنظمات الحقوقية الدولية، كونها تحفظات عامة مطلقة، تبطل مضامين وغايات الاتفاقيات، وكان الأجدر بهذه الدول عدم الانضمام أساساً، بدلاً من تعريض نفسها لإحراجات دولية ثم اضطرارها إلى سحبها لاحقاً، فعندما تتحفظ دولة على حظر التمييز على أساس الجنس أو الدين، بأن ذلك يجب أن يقيد "في إطار الشريعة" أو أن الدولة تقبل بالعهد "بالقدر الذي لا يتعارض مع أحكام الشريعة" فهذه تحفظات مطاطية واسعة لا تحدد بالدقة ما وجه المخالفة للشريعة، وما مفهوم الشريعة بالتحديد عند هذه الدولة؟!

هناك لَبْس كبير حتى بين الدارسين والمتخرجين من كليات الشريعة، عدم تمييزهم بين ما هو شرعي ثابت وما هو فقهي متغير، فكثير من هذه التحفظات بحجة الدين أو الشريعة، على مواد تحظر التمييز ضد المرأة، أو الآخر الديني، لا أساس لها، ولا تشكل مخالفة لصحيح الدين أو الشريعة، بل المخالفة للمذهب الفقهي السائد، ومخالفة المذهب ليست مخالفة للشريعة.

وما يقال عن التحفظ باسم الدين، يقال عن التحفظات بحجة مخالفتها التشريعات الوطنية، أولو كانت الاتفاقية أهدى وأضمن لحماية الحقوق؟! المفروض أن تعدل التشريع الداخلي لتوافق الاتفاقية، كونها الأسمى والأجدر بالتطبيق، فكفانا تحفظات باسم الدين، والدين منها براء!

ختاماً: أبرز التشريعات التي علينا مراجعتها، قانون الجنسية، الذي فرق المواطنين فئتين، فحرم الفئة العظمى من الحقوق السياسية، ينبغي تطويره ليتسق والعهدين، ويتوافق مع الدستور القطري الذي ينص على المساواة بين المواطنين، وفقاً لأستاذ القانون الدستوري د. حسن السيد، لتعزيز مفهوم المواطنة المتساوية والحاضنة لجميع القطريين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو المذهب أو الأصل.

* كاتب قطري