منذ أيام توفي المشير عبدالرحمن سوار الذهب، الرئيس الخامس للسودان، الذي تولى السُّلطة لمدة عام واحد فقط، وسلَّمها بشكل سلمي إلى حكومة مُنتخبة بطريقة ديمقراطية ونزيهة في مايو 1986. انتقل سوار الذهب إلى جوار ربه بهدوء في مستشفى عسكري بالرياض، التي احتضنته في السنوات العشرين الأخيرة من حياته.

المرحوم سوار الذهب رجل عسكري مخضرم، وله سُمعة جيدة وصِلات قوية بالجيش السوداني، وتولَّى رئاسة السودان بعد انتفاضة أبريل 1985، التي أطاحت الرئيس الأسبق جعفر النميري. ورغم أن السودان الشقيق، الغني برجاله وشعبه وأصالته، محدود الموارد المالية، والمنصب السياسي الرفيع له مغرياته وامتيازاته المالية والمعنوية، فإن المشير سوار الذهب لم تزغلل عينيه تلك الامتيازات، ولم تتحرك لديه نوازع الاستحواذ وشهوة السُّلطة، رغم مقدرته على فعل ذلك.

Ad

لذلك لن يبحث أحدٌ بعد وفاته عن حسابات له في سويسرا أو جُزر الكايمن، ولا عن عقارات يمتلكها في لندن وباريس وكاليفورنيا، بل سيراجعون سيرة من ذهب لرجل فاضل كان يرفض مبدأ الانقلابات العسكرية على حساب إرادة الشعب وخياراته، ويؤمن بأن الإنسان العربي ليس أقل من غيره من أبناء العالم الذين يختارون قادتهم بالانتخاب الحُر والديمقراطي، وكان يرفض أيضاً تقسيم السودان وفقاً لقبائلها والأصول العرقية التي تسكن جغرافيتها.

عندما يقف أي عربي ليستعرض وضع العالم من حوله سيجد الأمم كلها، أو غالبيتها العظمى، قد طوت صفحات الاستبداد والصوت المنفرد والحاكم الأوحد، إلى جمهوريات ديمقراطية وملكيات دستورية، والصندوق الانتخابي يدور في غابات الفيلة الهندية وأدغال الأسود الإفريقية، ليقرر مَن يحكم ويحاسب المسؤول، بينما يستعصي على الصندوق الانتخابي أن يقرر مصير الشعوب في الصحاري العربية!

يا تُرى، لو كان لدى الدول العربية أكثر من شخصية عسكرية وسياسية بخصال المرحوم سوار الذهب من الزهد والعفة والنظرة الشمولية لمصلحة الشعوب على حساب المصالح والأهواء الشخصية... كيف كانت أحوالنا اليوم؟ وكم من الخسائر والتضحيات قد وفَّرنا على هذه الأمة المنكوبة بالمستميتين على الكرسي، وبالصراعات على السُّلطة والمكاسب المالية؟