تألق الفنان السوري صفوان بهلوان، وأطرب الحضور بإحياء ليلة استثنائية بعنوان «وهابيات»، ضمن الموسم الثقافي الثاني لمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وقدم مجموعة من روائع التراث الغنائي العربي في مسرح الشيخ جابر العلي، مساء الخميس الماضي.

على مدى ساعتين، قدم بهلوان عددا من الأعمال التي لحنها وغناها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب (1902-1991)، إضافة إلى العزف المنفرد على العود.

Ad

بدأت الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو د. عماد عاشور بعزف مقطوعة موسيقية بعنوان «خطوة حبيبي»، من مقام (حجاز كار) وإنتاج 1950، ثم صولو بيانو، ليبدأ الفنان صفوان بهلوان وصلته الغنائية مع «الصبا والجمال» من كلمات بشارة الخوري ألحان محمد عبدالوهاب مقام (مورد) إنتاج عام 1939.

ثم قدم بهلوان لمحات من إبداعه في العزف المنفرد على العود، وبعدها غنى موال «يا ليل يا عيني»، ليدخل في غناء «اللي انكتب على الجبين»، كلمات إبراهيم عبدالله ألحان محمد عبدالوهاب، مقام (حجاز كار كرد) إنتاج عام 1927، ويتبعها بأغنية «إيه انكتب لي»، كلمات أمين عزت الهجين، ألحان محمد عبدالوهاب، مقام (كرد)، إنتاج عام 1939، ثم ينهي الجزء الأول من الأمسية مع «من قد إيه كنا هنا»، كلمات مأمون الشناوي، ألحان محمد عبدالوهاب، مقام (النهاوند الكبير)، إنتاج عام 1954.

الجزء الثاني

وبعد استراحة لمدة 20 دقيقة عادت الفرقة الموسيقية لتقدم مقطوعة بعنوان «عزيزة»، المقام (كرد) إنتاج عام 1950، ثم صعد المسرح الفنان بهلوان ليبدأ الجزء الثاني من وصلته مع أغنية «إنت وعزولي»، كلمات مأمون الشناوي، ألحان محمد عبدالوهاب، المقام (نهاوند) إنتاج عام 1941، لينتقل بعدها إلى «يا دنيا يا غرامي» كلمات أحمد رامي، ألحان محمد عبدالوهاب، المقام (نهاوند)، إنتاج عام 1937.

ثم تحول إلى رائعة أخرى من أعمال الموسيقار محمد عبدالوهاب وهي «يا مسافر وحدك»، التي صاحبها تصفيق الحضور منذ بداية عزف موسيقاها، وهي من كلمات حسين السيد وألحان عبدالوهاب، والمقام (نهاوند)، إنتاج عام 1942.

وكان مسك الختام مع أغنية «كل ده كان ليه»، كلمات مأمون الشناوي وألحان عبدالوهاب، وهي من إنتاج عام 1954، خاصة عندما انبرى بهلوان مسلطناً في المقطع الأخير من الأغنية «نساني أنام الليل خلاني أبات أناجيه»، ليمزج بعدها معها أغنية «فكروني» من روائع أم كلثوم، التي صاغ كلماتها عبدالوهاب محمد ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب وإنتاج عام 1966، وهنا نجده يصل للذروة في التغلغل في ألحان موسيقار الأجيال كأنه يقرأها قراءة متفحصة، من خلال فهم جيد ومتميز، وبأداء يقال عنه «آخر سلطنة».

وبعد تصفيق طويل من الجمهور، أعاد مقطع «نساني أنام الليل» من أغنية «كل ده كان ليه»، وبعد انتهائه اشتعل المسرح تصفيقاً لحرفية أداء بهلوان، ووقف الجمهور تقديراً له.

موسيقار الأجيال

يعتبر الفنان الراحل محمد عبدالوهاب أحد أبرز أعلام الموسيقى المصرية والعربية بسيرة فنية حافلة، بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي وترسخت في الذاكرة الفنية حتى يومنا هذا.

ولد عبدالوهاب عام 1902 في القاهرة وترعرع في بيئة محافظة جدا، إذ حرص والده الذي عمل مؤذنا وقارئا للقرآن على إلحاقه بالكتاب التابع لجامع (سيدي الشعراني)، كي يكتسب علوم القرآن ويلتحق بعد ذلك بالأزهر ويتابع خطاه، غير أن عبدالوهاب قد أبدى منذ صغر سنه شغفا وإعجابا بالموسيقى.

وداوم الموسيقار الراحل على الاستماع لشيوخ الغناء في مصر، في تلك الفترة، مثل سلامة حجازي وعبدالحي حلمي وصالح عبدالحي، ولم يتردد في الذهاب خلسة الى (الموالد) والأفراح من دون علم أهله، ليشهد الوصلات الغنائية والطربية.

وعلى الرغم من معارضة أهله لميوله الموسيقية انضم عبدالوهاب الى فرقة مسرحية كانت تقيم عروضها في منطقة الحسين، متخفيا تحت اسم (محمد البغدادي) ليغني بين الفصول المسرحية ويواصل شغفه الفني، لكنه لم يستمر في الفرقة، بعدما اضطر للهروب من أهله الذين اكتشفوا أمره.

إلا أن عائلة عبدالوهاب تراجعت عن رفضها، ووافقت لاحقا على انخراطه في الفن، مرتضية شغفه الموسيقي والغنائي، لكنه واجه اعتراضا آخر على دخوله المجال الفني من أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي رأى أن الفتى عبدالوهاب كان أصغر جدا من أن يحترف الفن آنذاك.

وبالرغم من المعارضات فإن عبدالوهاب أثبت بشغفه أنه غير قابل للمساومة، ولم يدع لذلك المنع مجالا في مشواره، وواصل عمله بإصرار، وشارك في العديد من الحفلات وأكمل دراسة الموسيقى.

وقابل عبدالوهاب معلمه ومرشده الفني سيد درويش، الذي كان له الأثر الكبير في مسيرته الفنية، كما كان للشاعر احمد شوقي دور كبير في مسيرته، إذ دعمه بشدة، بعد أن كان معارضا له.

ولم يقتصر نشاط عبدالوهاب على التلحين والتأليف الموسيقي، بل خاض العديد من التجارب السينمائية ممثلا، خلال فترة الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي، ومن أبرز أعماله فيلم «الوردة البيضاء» و«دموع الحب» و«ممنوع الحب».

وحاز عبدالوهاب، خلال مشواره الفني الطويل، العديد من الجوائز، وأطلقت عليه جمعية المؤلفين والملحنين في باريس لقب «فنان عالمي».

وغيب الموت عبدالوهاب عن الساحة الفنية العربية في عام 1991، لكنه لا يزال حاضرا في أغنياته وألحانه وأفلامه.