أُعد المسرح الآن لإجراء انتخابات مثيرة للجدل في أفغانستان، وقد حدد موعد هذه الانتخابات النيابية في 20 من أكتوبر، والتي ستشمل مجالس المقاطعات لأول مرة، وكانت الانتخابات النيابية قد تأخرت أساساً ثلاث سنوات، ولكن هذه الجولة الجديدة من الانتخابات تعتبر مجرد بداية بالنسبة الى معركة انتخابات الرئاسة التي ستجري في العشرين من شهر أبريل سنة 2019.

وقد قررت الدول المانحة عدم تأجيل الانتخابات البرلمانية على الرغم من النكسات المستمرة، كما أن بعثة المساعدة الأممية لأفغانستان تقدم المساعدة للحكومة الأفغانية من أجل الإعداد وتوفير الدعم لمجموعة المانحين الدولية من خلال تقديم طرح الإسناد والأفكار وتوفير نحو 100 مليون يورو لإجراء هذه الجولة من الانتخابات، مع تجهيز مزيد من المساعدة المالية لتغطية الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، كما أن الاتحاد الأوروبي أطلق مشروعاً يهدف الى الحيلولة دون حدوث تزوير في عمليات الاقتراع.

Ad

من جهة أخرى يحرص الداعمون الدوليون لأفغانستان على رؤية تقدم في التطور الديمقراطي في ذلك البلد قبل انعقاد مؤتمر للمانحين من المتوقع في جنيف في شهر نوفمبر.

في غضون ذلك تكثر الذكريات المريرة المتعلقة بالانتخابات السابقة ويعتقد معظم أبناء الشعب الأفغاني أنهم تعرضوا لمخاطر كبيرة من أجل الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سنة 2014، وأن النتائج قد «سرقت» من قبل وسيط أميركي تدخل في الاقتراع الذي أفضى الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية.

ويرى المانحون والتحالف الأطلسي الذي يقود بعثة المساعدة على التدريب والمشورة المكونة من 16 ألف رجل في أفغانستان أن إعادة الصفة الشرعية للحكومة من خلال إجراء جولة جديدة من الانتخابات عملية رئيسة في المعركة ضد حركة طالبان.

وتشمل هذه الانتخابات سكان أفغانستان الذين يقدر عددهم بين 28 و35 مليون نسمة أقل من نصفهم في سن الانتخاب، كما أن عملية التسجيل للتصويت يجب أن تعالج قضية أكثر من مليون لاجئ أفغاني عادوا من باكستان، وإيران منذ بداية سنة 2016 إضافة إلى عدد كبير من المهجرين في الداخل نتيجة احتدام القتال، ويقال إن نحو 9.6 ملايين ناخب سجلوا أسماءهم للاقتراع وثلثهم من النساء، وهذه نسبة أفضل كثيراً من تلك التي توقعها مجتمع المانحين نظراً للتقلبات التي شهدتها البلاد في الماضي، ولكن ثمة مخاوف من تزوير الكثير من الأسماء التي تم تسجيلها.

إجراءات حكومية جديدة

وقد طبقت الحكومة الأفغانية إجراءات جديدة تهدف إلى تخفيف عمليات التزوير التي تشمل قيام المواطن بالاقتراع لأكثر من مرة، وشملت وضع علامة على هويته من أجل منعه من الاقتراع مرة ثانية.

وأصدرت هيئة التسجيل المدني المركزية الأفغانية 4.5 ملايين بطاقة هوية في هذه السنة، ولكن تم شراء الكثير منها في الأسواق من أجل القيام بعملية تزوير، وتقول الأنباء إن القادة في الجيش الأفغاني يقومون بجمع بطاقات هوية الجنود لتقديمها في مراكز التسجيل، وقد تم حظر التسجيل بالوكالة للانتخاب، ولكن هذا الإجراء لا يزال سارياً في بعض المناطق.

وقد تم إحضار نحو 700 موظف من أجل القيام بعمليات إدخال تفاصيل حول كل الناخبين المسجلين على أساس قاعدة بيانات بغية تفادي محاولة أي تكرار للتصويت، وعلى أي حال لا يزال على هيئة التسجيل المدنية البدء بعملية ترقيم بطاقات الهوية التي صدرت في هذه السنة، وستكون قوائم الناخبين جاهزة للتدقيق قبل وقت قصير من موعد الانتخابات.

وتجدر الإشارة الى أن عملية التحقق هذه ستشمل عدد الناخبين المسجلين ومقارنته مع عدد المؤهلين للاقتراع في كل إقليم على أن يجري التأكد من عدم حدوث تناقضات.

هذا ولم تتمكن اللجنة الانتخابية المستقلة من الانطلاق في بداية سهلة، وقد استقال أول رئيس لها تحت ضغوط واتهامات بضعف الأداء، كما أن تعيين مديرها التنفيذي تأخر كثيراً، وإضافة إلى ذلك فإن الخلاف بين الرئيس والمفوضين عطل اتخاذ القرار واتسمت عملية تعيين الموظفين اللازمين بالكثير من البطء.

وكان أداء اللجنة الانتخابية المستقلة أفضل بالنسبة الى استعراض الشكاوى التي قدمت اليها، وعلى سبيل المثال قالت اللجنة في شهر أغسطس الماضي إن 35 من المرشحين البرلمانيين المحتملين لم يكونوا مؤهلين لخوض المعركة الانتخابية. واشتملت القائمة على 12 اسماً من أعضاء البرلمان الحالي تم استبعادهم بسبب روابط مزعومة لهم مع مجموعات مسلحة غير شرعية أو أنشطة إجرامية أخرى.

استياء الأحزاب السياسية

وكانت الأحزاب السياسية غير راضية عن هذه العملية وقد شكل نحو 30 حزباً ما يعرف باسم ائتلاف أفغانستان الوطني الكبير الذي اعتبر كتلة معارضة للرئيس الأفغاني أشرف غني، ويطالب هذا الائتلاف في هذه المرحلة المتأخرة بتغيير النظام الانتخابي، بحيث يفضل مرشحي الأحزاب على المرشحين المستقلين وتطبيق نظام تسجيل جديد من أجل منع التزوير.

وتعتبر هذه المطالب غير واقعية نظراً لضيق الوقت، وعلى الرغم من أن هذه الأحزاب عمدت الى تقديم مرشحين فقد هددت بمقاطعة الانتخابات إذا لم تتم تلبية مطالبها، ولكن تنفيذ تهديدها ليس محتملاً، لأنه سيحرمها من مقاعد برلمانية، ويخفض نفوذها السياسي، كما أن معظم أعضاء البرلمان الحاليين من المستقلين.

وقد أصبح إقليم غزني في جنوب شرق البلاد حالة خاصة، وانتخب هذا الإقليم المقسم عرقياً بين الباشتون والهازارا نواباً من الهازارا فقط في عام 2010 لأن الوضع الأمني منع معظم الباشتون من الانتخاب، وكان معنى المقاطعة وإغلاق مراكز التسجيل بالقوة من جانب الباشتون المحبطين أن 4 في المئة منهم فقط تمكنوا من تسجيل أسمائهم في هذه المرة. وفي العاشر من شهر أغسطس الماضي تعرضت مدينة غزني إلى هجوم مدمر من جانب حركة طالبان أسفر عن سقوط مئات القتلى، وتم تأجيل الانتخابات هناك حتى سنة 2019.

وواجهت انتخابات مجالس المقاطعة صعوبات أيضاً نتيجة نقص عدد المرشحين، وحصل واحد من 10 مجالس على عدد من المرشحين يكفي لإجراء انتخابات نزيهة، وكان عدد النساء المرشحات قليلاً الى حد كبير.

ولا تخضع 43 في المئة من المقاطعات الأفغانية لسيطرة الحكومة بحسب تقرير صدر عن المفتش الخاص الأميركي لإعادة بناء أفغانستان.

وعلى أي حال، ضمنت قيادة حلف شمال الأطلسي أمن وسلامة مراكز الاقتراع التي تستطيع العمل في يوم الانتخاب، ومن غير المتوقع أن ينجح في ذلك ثلث عدد المراكز، وقد تعرض بعضها الى هجمات انتحارية خلال عملية التسجيل، ولكن ليس على نطاق واسع، وتحاول بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان ضمان وقف محلي لإطلاق النار من أجل السماح بإجراء هذه الانتخابات.

من جهة أخرى لا يساعد الجفاف الذي اجتاح غرب وجنوب البلاد الوضع الانتخابي، حيث أفضى الى نزوح المزيد من السكان إضافة الى الفارين من أعمال العنف.

الانتخابات الرئاسية

وتعتبر الانتخابات الرئاسية طبعاً الجائزة الحقيقية، ويتمحور الكثير من المناورات السياسية الحالية حولها، ولا يوجد حتى الآن أي مرشح واضح يتحدى الرئيس غني الذي لم يعلن بعد عزمه على الترشح لولاية جديدة، ولا يستطيع الرئيس السابق حامد قرضاي الترشح، ولكن من المحتمل أن يؤدي دوراً مؤثراً في دعم مرشحي المعارضة.