للأسف الكبير ربما تكون النظرة الضيقة للحدث سبباً في تضخيمه أو في رؤيته من منظور ضيق أو من اتجاه واحد فقط، وهذا ما يجعل الكثير من العامة والبسطاء أكثر حدة وانزعاجا من أحداث يومية، إلا أن الأمر مختلف لمن هو في دائرة صنع القرار أو لأصحاب التجارب المختلقة، أو لمن يتابعون الأحداث الدولية مع مراجعة المواقف القريبة والبعيدة، وينظرون إلى المستقبل برؤية استراتيجية، فأولئك سيكونون أكثر وعياً وإدراكا للصورة والمشهد بالكامل.

فما تراه ضخما وأنت قريب منه فذلك لأنك لا ترى غيره، وسيختلف تماما لو ابتعدت عنه بعض الخطوات، لأنك ستراه في حجمه الطبيعي، وسترى باقي المشاهد القريبة منه، والتي ستجعلك تعيد تقييم الأمور.

Ad

فالكثير عندما يرون شخصا يتحدث عن بلده خيراً أو يدافع عنه في توقيت معين يعدون ذلك انقلابا أو دفاعا عن أشخاص أو أنظمة، مع أن الأمر مختلف تماماً، لأن ما يفقده أكثر مما يصل إليه من حقوق، فلو فقد وطناً أو قوة فلن تعوض مرة أخرى.

قد نطالب بتحقيق تنمية، أو نطالب بحرية، أو نطالب بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، أو بعدالة اجتماعية، وهذه هي سبل الأمان الوحيدة للأوطان والأنظمة معاً، وهي التي توفر الظهير الشعبي لأي نظام، والتي تتم تعبئتها وقت الخطر الذي تتعرض له الأوطان!

ربما البعض يقول لي: لماذا موقفك متضامن مع أي محاولة للاعتداء أو لسلب مدخرات بلد عربي؟

أقول لهم إنني لم أكن يوماً مواليا أو تابعا لأي نظام ولا فئة معارضة فيما أطرح من كتابات، فقناعاتي دائما مع بناء أي دولة والمحافظة على الإنسان وأمنه وكرامته، ومن يفقد كرامته في وطنه فسيفقدها في غيره، بالإضافة إلى ذل الغربة ومعاناة التشرد في غير وطنه.

وفقد أي جيش أو قوة عربية هو إضعاف للمنطقة بالكامل، واستغلال وإذلال أي بلد عربي هو إذلال لكل عربي، وأستغرب من حالة الانقسام بين الشعوب والفرحة العارمة لهزيمة فريق من المنقسمين من الدولة، ففِي الحقيقة نحن جميعا سينال منا العدو، ولن يرضى عنا مهما قدمنا له من ولاء وطاعة، فنحن في نظره لا نستحق الثراء ولا الحياة.

وأقول لكل من يريد أن يمنع قلماً أو يسكت صوتا: أنت تدعوه بذلك ليستمر وبقوة وإن منعته، وأقول لكل ضعيف تصور أن قوته في إضعاف غيره: أنت داء قاتل، وأقول لكل متاجر بوطنه أو ساع في الاستغلال، ما تسلبه اليوم سيحرم منه ابنك غداً، فالوطن يحتاج إلى العطاء والبناء لنا وللأجيال القادمة من بعدنا.

فالمشهد اليوم يقول للجميع: عليكم الاصطفاف ولن تسقط دولة واحدة ولن تستطيع أن تنجح دولة بمفردها مهما فعلت، وراجعوا أحوال ليبيا والعراق واليمن وسورية وجيوشها، وماذا تبقى من جيوش وقوة في المنطقة.

ورسالتي لقادة المنطقة: شعوبكم قوتكم فأصلحوا ما بينكم وبينهم تستمر عروشكم وتنجوا بلادكم،

وأقول للشامتين في الخراب والانهيار والفشل أو الساعين من أجل خرابها، "وما كان ربك نسيا"، والله أسأل أن يهدينا سبل الرشاد.