أخبر إيان بريمر، كبير المستشارين لشؤون المخاطر في مجموعة أوراسيا، منتدى المال والخزانة التابع لمجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية المحدودة في سنغافورة: "هذا الركود الجيو-سياسي بسيط حقاً: يسم نهاية النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة".

تلقى رسالة بريمر قبولاً واسعاً، على سبيل المثال، صدّق معظم صانعي السياسات الأميركيين توقعاته "الانحدارية" عن نهوض الصين وسقوط الولايات المتحدة، لكن الفجوة بين الاقتصادين لا تزال كبيرة. فقد حققت الولايات المتحدة السنة الماضية ناتجاً وطنياً إجمالياً بلغ 19.39 تريليون دولار، في حين شكّل الناتج الوطني الصيني لعام 2017، الذي بلغ 12.84 تريليوناً وفق التقارير، 66.2% من الناتج الأميركي.

Ad

يرزح الاقتصاد الصيني تحت وطأة تراكم الدين المفرط وعلل أخرى، لكن العامل الرئيس الذي يعوق الإمكانات الاقتصادية ليس أزمة الدين المنهجية بل التخلي عن السياسات الإصلاحية، فقد أدار القائد الصيني شي جين بينغ ظهره لبرنامج "الإصلاح والانفتاح" الذي وضعه جينغ شياو بينغ والذي يعود إليه الفضل في إطلاق النمو الصين طوال نحو أربعة عقود. بدلاً من ذلك، عمل شي خلال نصف عقد على إعادة إرساء نظام الدولة الستالينية الذي تبناه ماو تسي تونغ في مطلع خمسينيات القرن الماضي.

ثمة سبب إضافي يدفعنا إلى التشكيك في الهيمنة الاقتصادية الصينية: الواقع السكاني، ستنضم الصين قريباً إلى صفوف الأمم المتقلصة، وسيبلغ عدد سكانها ذروته مع 1.44 مليار نسمة نحو نهاية العقد المقبل، وفق التوقعات السكانية حول العالم الصادرة عن الأمم المتحدة، وفي نهاية القرن، سيتراجع عدد سكان الصين إلى 1.02 مليار نسمة.

لا يعني تراجع الصين المتوقع (وعلينا أن نتذكّر أن تخمينات الأمم المتحدة تبالغ على ما يبدو في تحديدها إمكانات البلد السكانية) أن اقتصاد الصين لن ينجح، إلا أنه يعني أن عليه النجاح رغم واقعه السكاني، حدثت طفرة النمو التي دامت أربعة عقود فيما كانت الصين تجني "مكسباً سكانياً": زيادة ضخمة في حجم قوتها العاملة.

لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن القوة العاملة الصينية بدأت تتقلص بعدما بلغت ذروتها الأولى في عام 2011، وفق مكتب الإحصاءات الوطني الرسمي.

إذا لم يتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأميركي، فمن غير المرجح أن تهيمن بكين على النظام العالمي الذي يُفترض أنه يتداعى، ومن دون اقتصاد ناشط لن تتمكن الصين من تحديث جيشها وبنائه، ولن تنجح في جذب الأمم النامية بدبلوماسيتها التي تقوم على الدين، ولن تحظى مبادرتها "حزام واحد طريق واحد" بالتمويل الضروري.

طرح بريمر في سنغافورة حجة، كما عرفنا من عنوان خبر CNBC، أن "ركوداً جيو-سياسياً حلّ والنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة شارف على نهايته". وخلال أسبوع كانت فيه مؤشرات الأسهم الأميركية تنخفض، بدا أن استنتاجاته هذه تنبئ بالمستقبل.

ولكن حتى وفق هذا المعيار، لا تزال الولايات المتحدة تبدو قوية، فرغم مجزرة الأسبوع الماضي، ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بـ1.4% هذه السنة، في حين ازداد مؤشر S&P 500 الأشمل بنسبة 2.1%، كذلك ازدادت بورصة ناسداك بـ6.2%.

في المقابل، تسلك المؤشرات الصينية اتجاهاً معاكساً، مقدمةً هذه السنة أداء يُعتبر من الأسوأ عالمياً، فقد انخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 21.9%، في حين تراجع مؤشر شنغن المركب بنسبة 31.9%، كذلك انخفض ChiNext، الذي يُعتبر مؤشراً مهماً في مجال التكنولوجياً، بنسبة 28.0%. وكانت الأسهم الصينية ستسجل انخفاضاً أكبر لولا شراء ما تدعوه بكين "الفريق الوطني" الحصص بجنون في جهد موجّه مركزياً لتفادي انهيار كبير.

إذاً، هل بريمر مصيب بقوله إن الولايات المتحدة تتراجع وإن النظام العالمي الذي تقوده بلغ نهايته؟ لا يعتقد الشعب الصيني ذلك على ما يبدو، فقد أظهرت استطلاعات الرأي المتتالية أن نحو نصف الأثرياء في البلد يخططون لمغادرة الصين نهائياً.

ولا شك أنهم سيحملون أموالهم معهم، فقد خرجت أموال طائلة من الصين بين عامَي 2015 و2016: تدفق خلال هاتين السنتين من هذا البلد رأسمال صافٍ بلغ 2.1 تريليون دولار، وكان هذا النزف سيتواصل لولا التدابير الصارمة التي اتُخذت نحو نهاية عام 2016، علماً أن الكثير من ضوابط بكين، التي تشبه ما نراه مع جمهوريات الموز، ظل غير معلن، وانتهى المطاف بالجزء الأكبر من هذه الأموال وهؤلاء الأشخاص إلى الولايات المتحدة.

إذاً، تبدو الركيزة الأساسية للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة، والاقتصاد الأميركي، سليمة معافاة. في المقابل، يبدو اقتصاد الخصم الأول لهذا النظام في حالة يُرثى لها.

* غوردون تشانغ