لو لم يكن الإنسان -أي إنسان- بطبيعته محباً للتملك والاستحواذ والتسلط والسيطرة على كل شيء، ولو لم يكن الإنسان "ظلوماً كفوراً"، ولو لم يتصف بنزعة العنف والقسوة والإجرام، لما كانت هناك أديان تبين للبشر حدود الخير والشر، ولا كانت هناك معايير لسلوكيات التعامل الأخلاقي بين الناس. بل، وبناء على ما سبق، لما عرفنا القوانين والأعراف، ولما كانت هناك معاهدات دولية، ولا اتفاقات سياسية، ولا مواثيق شرف، ولا التزامات أخلاقية. ولهذا يحاول المسؤولون عن أي إدارة من الإدارات، ويعمل القائمون على أي هيئة من الهيئات، في أي مكان في العالم، على الارتقاء بهذه المؤسسات من خلال وضع مبادئ عامة لتطبيقها على أرض الواقع، وإعداد قواعد للسير على هديها، حتى تتحقق أهداف وأغراض هذه المؤسسات والهيئات دون معوقات.

ونحن عندما نقول هذا، فذلك لأنه لا توجد مهنة في العالم إلا كانت هناك خطوط عريضة ترسم لها، لتبين للعاملين فيها مسارهم عليها، وقطاع التأمين جزء مهم من هذه القاعدة. وإذا كان قَسَمُ الأطباء قد جاء رد فعل تجاه الفظائع التي ارتكبها الأطباء النازيون، فلا يبدأ أطباء اليوم بممارسة الطب إلا بأداء هذا القسم لخدمة البشرية والاهتمام بصحة المرضى، دون اعتبار لدينهم أو لجنسيتهم أو لعرقهم، وتأكيداً لاحترام حياة الإنسان، دون استخدام خبرته المهنية أو الطبية في مخالفة القوانين الإنسانية. وإذا كان المحامون يؤدون القسم لحماية حقوق المظلومين، وإذا كان الوزراء والبرلمانيون يؤدون اليمين الدستورية إخلاصاً للوطن، وإذا كان القضاة يؤدون اليمين القانونية، فلماذا لا يكون للعاملين في قطاع التأمين قسم يؤدونه، احتراماً للناس المؤمن عليهم، والذين تعمل شركات التأمين على الحفاظ على حقوقهم وحماية حياتهم وأرواحهم؟

Ad

أقول هذا لأنني، بعد هذه الخبرة الطويلة التي امتدت أربعة عقود في قطاع التأمين، والتي تنقلت فيها ابتداءً من وراء كاونتر خدمة العملاء إلى سدة التحكم في أعلى القرارات التأمينية في عدد من شركات التأمين، أستطيع أن أقول إن الأخلاقيات المهنية كثيراً ما غابت، وتغيب اليوم أكثر، عن دهاليز العمل التأميني. وبالطبع، يحدث هذا في ظل صمت اتحاد شركات التأمين الكويتية، وسكوت الجهات الرسمية حيال ما يجري على ساحة التأمين من تلاعب غير أخلاقي في سمعة الناس، وفي أرزاق الشركات، دون أن ينبري أحد من المخلصين لإعادة وضع هذا القطاع إلى نصابه الصحيح؛ فهذا يعمل على كسر الأسعار السائدة في السوق المحلية، لليّ ذراع السائرين على الصراط المستقيم في حقول ألغام التأمين، وذاك يعمل على نشر الإشاعات حول شركة التأمين هذه أو تلك، وثالث يبث أنباء كاذبة حول بعض القيادات التأمينية، في محاولة لإصابة قوم بجهالة، إما لتضييع فرص المشاريع، وإما من أجل الاستيلاء على صفقات واعدة، أو سحب بساط الإنجاز والتفوق من تحت المتميزين.

لهذا ندعو الجهات المعنية بقطاع التأمين، على المستويين الرسمي والأهلي، لاتخاذ قرارات حاسمة لإعادة الأمور التأمينية إلى مسارها الصحيح، مثل إعداد ميثاق شرف، أو ما يمكن أن نطلق عليه مبادئ أخلاق المؤمنين، يوقع عليه كل من شركات التأمين والعاملين في هذا الحقل، من أجل الارتقاء بهذه المهنة التي تعمل على حماية المؤسسات والأفراد من الحوادث، أو منع الوقوع في مصاعب مادية جسيمة. وما هذه المبادئ أو مواثيق الشرف إلا منارة يسترشد بها التأمينيون، ويعملون بموجبها في علاقاتهم مع بعضهم البعض، ويلتزمون بالعمل بها كالقانون. وإذا كان هناك من ينتقد قطاع التأمين بالأنانية، فإن مثل هذه المواثيق سوف تكون بمنزلة الدرع الواقية لسمعة القطاع، وصولاً إلى الارتقاء بالأداء التأميني لخدمة المجتمع، والحصول على خدمات تأمينية جيدة، وترسيخ ثقة العملاء بالتأمين.

* رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة غزال للتأمين