ربما يتبين لنا أن الشعبوية اليمينية التي نشأت في العديد من الديمقراطيات الغربية في السنوات الأخيرة كانت أكثر من مجرد ومضة عابرة على المشهد السياسي، فإلى جانب أزمة الركود العظيم وأزمة الهجرة، وكل منهما أوجدت أرضا خصبة للأحزاب الشعبوية، ستستمر الشيخوخة السكانية في الغرب في تغيير ديناميكيات السلطة السياسية لمصلحة الشعبويين.

فقد اتضح أن الناخبين الأكبر سنا متعاطفون مع الحركات القومية، ففي بريطانيا، صوت الناخبون الأكبر سنا بشكل غير متناسب للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وسلم الأميركيون الأكبر سنا الرئاسة الأميركية إلى دونالد ترامب، وما كان حزب القانون والعدالة في بولندا ولا حزب فيدس في المجر ليصل إلى السلطة لولا الدعم المتحمس من جانب كبار السن. وفي إيطاليا نجح حزب الرابطة إلى حد كبير باستغلال استياء وسخط كبار السن في شمال إيطاليا، وبين الشعبويين اليوم، لا يعتمد على الناخبين الأصغر سنا سوى الحشد الوطني في فرنسا (الجبهة الوطنية سابقا) بزعامة مارين لوبان، وربما يانير بولسونارو في البرازيل.

Ad

في الربيع المقبل ربما يعمل نمط التصويت المدفوع بالسن هذا على توجيه نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، ووفقا لدراسات حديثة، يكن الأوروبيون الأكبر سنا- وخصوصا الأقل تعليما بينهم- قدرا أكبر من التشكك في المشروع الأوروبي وثقة أقل في البرلمان الأوروبي مقارنة بالأوروبيين الأصغر سنا، وهو أمر مثير للدهشة، لأن ذكريات الحرب العالمية الثانية وإرثها لابد أن تكون أكثر حضورا في أذهان الأجيال الأكبر سنا، ومع ذلك ربما يفسر تشككهم في مؤسسات الاتحاد الأوروبي الديمقراطية تقبلهم للقادة السلطويين.

في الأرجح يدفع شعور متنام بانعدام الأمان كبار السن إلى أحضان الشعبويين، وإذا نحينا جانبا الخصائص المرتبطة بكل دولة على حِدة، فسيتبين لنا أن كل الأحزاب القومية تَعِد بكبح جماح القوى العالمية التي ستؤثر في كبار السن بشكل غير متناسب.

على سبيل المثال، تميل الهجرة إلى زرع قدر أكبر من الخوف في أنفس الناخبين الأكبر سنا، لأنهم أكثر ارتباطا بالقيم التقليدية والمجتمعات المستقلة عادة، وعلى نحو مماثل، كثيرا ما تتسبب العولمة والتقدم التكنولوجي في تعطيل الصناعات التقليدية، حيث يكون توظيف العمال الأكبر سنا أكثر ترجيحا، كما يعمل ارتفاع الاقتصاد الرقمي، الذي يهيمن عليه شباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، على دفع العمال الأكبر سنا إلى الهامش، ولكن على عكس الحال في الماضي، لم تعد أنظمة التقاعد المتداعية قادرة على استيعاب مثل هذه الصدمات في سوق العمل، والنتيجة هي الحكم على العمال الأكبر سنا الذين يفقدون وظائفهم بالبطالة الطويلة الأمد.

علاوة على ذلك، أصبح لدى المتقاعدين الآن أسباب تدفعهم إلى القلق بشأن تهديدات لاستحقاقاتهم التقاعدية يفرضها أبناؤهم. الواقع أن الشباب، الذين يشعرون بالإحباط إزاء الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية التي تميل بوضوح لمصلحة المتقاعدين، يدعون على نحو متزايد إلى توزيع أكثر عدلا بين الأجيال للموارد النادرة. على سبيل المثال دعت مؤخرا حركة الخمس نجوم الإيطالية، التي تحكم في إطار تحالف مع حزب الرابطة، إلى "دخل المواطن" الذي سيكون متاحا لكل العاطلين عن العمل بغض النظر عن العمر، وعلى هذا ففي حين نجح الشعبويون من اليمين في اجتذاب الناخبين الأكبر سنا، فقد اكتسب الشعبويون من اليسار أتباعا بين الأجيال الأكثر شبابا.

بدعم الشعبويين اليمينيين، يأمل الناخبون الأكبر سنا العودة إلى زمن كانت فيه الشؤون الداخلية معزولة عن القوى العالمية، وكانت الحدود الوطنية أقل نفاذية، وفي قلب السياسات القومية اليوم يكمن الوعد بالحفاظ على الوضع الراهن، أو حتى استعادة الماضي الأسطوري. وعلى هذا، يلجأ الساسة القوميون غالبا إلى خطاب الحنين إلى الماضي لحشد الأنصار الأكبر سنا. ومن جانبه، تعهد ترامب بإعادة الوظائف في منطقة حزام الصدأ الأميركي، الذي كان ذات يوم مركزا للتصنيع في الولايات المتحدة. على نحو مماثل، لن نجد رمزا أكثر وضوحا لمقاومة التغيير من الجدار المقترح على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وتشير حملته ضد الهجرة غير الشرعية والحظر الذي فرضه على المسافرين من دول ذات أغلبية مسلمة إلى التزامه بأمة أميركية "نقية".

على نحو مماثل، في أوروبا القارية، يريد الشعبويون اليمينيون العودة إلى زمن سابق لتبني اليورو ونظام شنغن للسفر بدون جواز سفر داخل أغلب دول الاتحاد الأوروبي. وهم كثيرا ما يغازلون الناخبين الأكبر سنا بشكل مباشر من خلال الوعد بخفض سن التقاعد وتوسيع مزايا التقاعد (وهو وعد أساسي ضمن سياسات حزب الرابطة).

في المملكة المتحدة، وعدت حملة "الخروج" بالدفاع عن أولئك الذين تُرِكوا خلف الركب في عصر العولمة، ناهيك عن أنها روجت أيضا لفكرة "بريطانيا العالمية" الحرة المستقلة، وليس من المعروف عن أنصار خروج بريطانيا فضيلة الاتساق والتماسك.

على أي حال، بقدر ما تدفع عوامل ديمغرافية الموجة الشعبوية اليوم، فمن غير المرجح أن تبلغ ذروتها في أي وقت قريب، ففي المجتمعات التي تعاني الشيخوخة السكانية، سيتنامى باطراد النفوذ السياسي الذي يتمتع به كبار السن؛ وفي الاقتصادات السريعة التغير، ستنحدر قدرتهم على التكيف. ونتيجة لهذا، سيطالب الناخبون الأكبر سنا بالمزيد والمزيد من الأمن الاجتماعي والاقتصادي، وسينتظر الشعبويون غير المسؤولين الفرصة لاستيعابهم.

ولكن هل يمكن القيام بأي شيء حيال كل هذا؟ لكبح جماح المد القومي، تحتاج الأحزاب الرئيسة بشكل عاجل إلى صياغة ميثاق اجتماعي جديد يعالج الإحساس المتزايد بانعدام الأمان بين الناخبين الأكبر سنا، وسيكون لزاما عليها أن تعمل على إيجاد توازن أفضل بين الانفتاح والحماية، وبين الإبداع والضوابط التنظيمية؛ ولابد أن تفعل هذا دون الوقوع في فخ شعبوي رجعي.

لا يكمن الجواب في خنق القوى العالمية، بل في جعلها أكثر تسامحا، ولابد من تجهيز المواطنين من كل الأعمار لمواجهة الاضطرابات الحالية والمستقبلية، وعلى هذا فإن الأفضل هو العمل على تمكين كبار السن لا حمايتهم ببساطة، والواقع أن أغلب الاقتصادات المتقدمة لا يمكنها ببساطة أن تتحمل ترف توفير منافع جديدة ضخمة لمجموعة مصالح بالغة الضخامة، بالإضافة إلى ذلك من الواضح أن السياسة التي تجعل الناس يعتمدون على شكل من أشكال الدعم الخارجي تثير شكوكا أخلاقية في أفضل تقدير.

بدلا من ذلك، ينبغي على الحكومات أن تركز على رفع مستوى مهارات العمال الأكبر سنا، وخلق المزيد من الفرص للأجيال الأكبر والأصغر سنا للعمل معا، ومحاسبة المفسدين عن العواقب الاقتصادية الاجتماعية التي يتسببون في توليدها، ولابد أن تظل إعانات الدعم المقدمة لأكثر الفئات ضعفا الملاذ الأخير.

في نواح عديدة، يأتي افتتان الناخبين الأكبر سنا بالشعبويين بمثابة صرخة طلبا للمساعدة، وهنا يأتي دور الساسة المستنيرين للرد على هذه الصرخة بشكل بنّاء.

* إدواردو كامبانيلا

* زميل مستقبل العالَم في مركز إدارة التغيير التابع لجامعةInstituto de Empresa (I E University) في مدريد.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»