الصحافة الحرة والمستقلة تعني الكثير، تعني مجتمعاً يراقب ويتابع مقدراته وحقوقه، صحافة حرة ومستقلة تعني أن كشافاً ساطعاً موجهة أضواؤه إلى كل فئات المجتمع، للسياسي الفاسد، ورجل الأمن المنحرف، والمسؤول المرتشي، والقاضي الحانث بقسمه بإعمال نصوص القانون وتحقيق العدالة، وحتى الصحافي الذي يخون شرف مهنته، لذا فإن أعداد الصحافيين الذين يُغتالون ويسجنون أضعاف أعداد كل المهن المدنية الأخرى.

عندما تغيب الصحافة الحرة والمستقلة يزداد الزّيف في المجتمعات، ويبدو طريق الهاوية لها طريق الأحلام والاستقرار، بينما هي متجهة إلى حتفها، ويصبح الفساد ممارسة طبيعية لمن يتمكن من اقترافه، وتغدو حقوق الأفراد ومصيرهم بأمر صاحب القرار المتسلط الذي يكيّف جميع قراراته بالمصلحة العامة واستحقاقات أمن البلد.

Ad

البعض سيقول إن الصين وفيتنام لا توجد فيهما صحافة حرة، لكن الرد على ذلك أنه رغم الطفرة الاقتصادية الضخمة في الصين، هل جودة الحياة فيها للمواطن مثل السويد أو كندا أو حتى سنغافورة؟ وآخر ربما يضرب مثلاً بدولة الاحتلال إسرائيل، ويقول إن فيها صحافة حرة لكنها دولة غاصبة ومعتدية، وحقيقة إن الصحافة الإسرائيلية ليست حرة، فهناك رقيب عسكري أمني تُعرض عليه الأخبار.

لو أن هتلر وموسوليني وقادة اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وصدام حسين، كانت لديهم صحافة حرة ورأي آخر يستمعون إليه لربما تمكّنوا من التحكم في نزواتهم ورغباتهم الشريرة، وتوقّعوا نهاياتهم المأساوية فارتدعوا، لكنهم جميعاً كانوا يستمعون فقط إلى صدى أصواتهم في مجتمعات غيبت صوت الرأي الآخر والصحافة الحرة.

لذا، فإن الغالبية في وطننا العربي متأكدون من أن إعلام التطبيل والصوت الواحد والحملات الموجهة وصناعة الأكاذيب وخنق الأصوات المعارضة لن تصنع مستقبلاً لدول العرب مهما كانت إمكاناتهم المادية والبشرية وخططهم جميلة ومدروسة للمستقبل، لأنه دون صوت آخر ينقد ويُبرز الأخطاء والتجاوزات لن يتحقق شيء سوى بقاء الأنظمة على ما هي عليه في سدة الحكم، بينما سيضيع مستقبل العرب.