في جمعية الخريجين

Ad

في ندوة عقدتها جمعية الخريجين في الثامن من يناير 1996 حفلت بمحاضرة ألقاها الدكتور ناثان براون تحت عنوان "الديمقراطية والمبادئ الدستورية"، وقت أن كان الدكتور مساعد عميد كلية إليوت للعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، حاول فيها أن يلقي الضوء على نجاح النظام الرئاسي في حل المعادلة الصعبة في موضوع الرقابة على دستورية القوانين في التوفيق بين المبدأ الديمقراطي الذي يقرر أن السيادة للأمة، مصدر السلطات جميعا، وأن البرلمان هو الذي يمثل الأمة صاحبة السيادة، وبين مبدأ الدولة القانونية الذي يوجب خضوع الدولة للقانون، وأن الحاكم يخضع للقانون مثلما يخضع له المحكوم، وأن البرلمان يخضع للقانون الذي يسنه إلى أن يعدله، كما يخضع للدستور وهو أسمى من القانون.

نظام الحكم الرئاسي

والواقع أن أهمية دور المحاضرة التي ما زلت أذكرها حتى الآن في أن أغلب الدول العربية التي قامت فيها انقلابات عسكرية لم تجد هذه الانقلابات أسلوبا للحكم إلا في النظام الرئاسي الذي يمكنها من تشديد قبضتها على الحكم، وأغلبها ألغى الأحزاب التي يقوم على أساسها النظام البرلماني.

وقد نجحت هذه الانقلابات في أن تقنع الشعوب أن النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية، وهي الدولة العظمى والقطب الأكثر تأثيراً ونفوذاً في العالم، هو الذي أتاح للرؤساء المنتخبين المتعاقبين تحقيق هذه الإنجازات الكبيرة التي حققتها أميركا.

ثورة 23 يوليو 1952

وقد كان أحد أهداف هذه الثورة إقامة حكم ديمقراطي سليم، إلا أن شهوة الحكم تغلبت على مجلس قيادة هذه الثورة، الذي تنكب لهذا الهدف، وأقالوا رئيس الجمهورية ورئيس المجلس، وكانت أزمة مارس 1954.

وكانت قد شكلت لجنة لإعداد دستور دائم قبل هذه الأحداث، ودارت في البلاد مناقشات واسعة حول النظام الأصلح لمصر، وترددت فكرة الأخذ بالنظام الرئاسي المعمول به في الولايات المتحدة الأميركية، وأدرت حواراً عندما كنت طالبا في كلية الحقوق على صفحات جريدة (لواء الجامعة) التي كانت تصدر عن دار العلم المصري إحدى جرائد الحزب الوطني وقتئذ، بين كل من الخبير الدستوري الأريب، وشيخ الخبراء في هذا الوقت الدكتور سيد صبري، والشاب النابغة د. سليمان الطماوي، في عدد الجريدة الصادر في 15/ 3/ 1954، ليكون هذا الحوار تحت نظر لجنة الدستور.

د.سيد صبري يرفض النظام الرئاسي

وكان الدكتور سيد صبري عضوا في هذه اللجنة، حيث كان من رأي سيادته عدم الأخذ بالنظام الرئاسي، لأن انتخاب رئيس الدولة بواسطة الشعب يمنحه سلطات واسعة تجعله في مركز يتفوق به على البرلمان، وبذلك ينعدم التعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وقد بلغت أهمية مركز رئيس الدولة المنتخب بهذه الطريقة حداً جعل الفلاسفة يطلقون على هذا النظام (الرئاسي) نسبة إلى رئيس الجمهورية لأنه أهم معادلة في هذا النظام، والبعض سماه (حكومة رجل الشعب المختار) وأن هذا النظام لا يقوم على التوازن في حين يجب أن يسود التوازن بين السلطات في الدولة.

وأن النظام الأميركي قائم على فصل السلطات التام، وقد أثبتت التجارب في جميع البلاد عيوب هذا النظام، لأن السلطات في أي دولة يجب أن يكون بينها علاقة تعاون حتى تبدو الدولة وحدة واحدة، وهو ما أدى إلى انقلابات متعددة في دول أميركا اللاتينية التي أخذت بهذا النظام.

د.سليمان الطماوي يطالب بالنظام الرئاسي

وكان الدكتور سليمان الطماوي يرى أن الرئيس في النظام الرئاسي لا يصل إلى مقعده إلا على أساس برنامج واضح بيّن المعالم، يلتزم هو وحزبه بإخراجه إلى حيّز الوجود من الناحية التشريعية والتنفيذية، ولهذا تغدو جميع الصعوبات والانتقادات السابقة وهمية، لأن الرئيس يتعاون عملا مع البرلمان المكونة أغلبيته من الحزب الحاكم الذي يترأسه غالبا الرئيس.

وإن هناك فارقا جوهريا بين السلطة التنفيذية القوية، التي تملك من الوسائل ما تنفذ به برنامجها في حدود القانون، وبين السلطة الدكتاتوريةن ثم إن مركز رئيس الوزراء في إنكلترا لا يختلف كثيرا من الناحية العملية عن مركز رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي.

ويختم رأيه وحواره مع د. سيد صبري بأن ما يعنيه هو القضاء على فكرة "يسود ولا يحكم"، بأي طريقة لأنها فكرة فاشلة عملا وغير مستساغة عقلا، فليس هناك في غير إنكلترا من يقبل أن يكون صورة رمزية تعلق في صالونات الدولة دون أن تكون لها إرادة أو كلمة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.