يخضع قصر البارون راهناً لأعمال ترميم وتجميل، تشكل خطوة مهمة لإنهاء الأساطير المرعبة التي ارتبطت به على مدار نحو قرن. وقال وزير الآثار المصري خالد العناني، على هامش تفقده أعمال الترميم، إن الكُلفة تصل إلى 100 مليون جنيه (نحو خمسة ملايين دولار)، وأُنجز نحو 50% من العمل، ومن المفترض الانتهاء من الترميم خلال 12 شهراً، بعدما كان مقرراً له سبتمبر الفائت، بسبب أعمال الترميم الدقيقة والمفاجآت غير السارة التي اكتشفها المرممون، كوجود تآكل في الحديد وخشب الباركيه، مؤكداً أن التماثيل والزخارف كافة ستُرمّم.

ويَعبُر آلافُ المصريين الطريق يومياً من أمام «قصر البارون» في ضاحية مصر الجديدة (شرق القاهرة)، ويراه أي زائر للعاصمة المصرية، حيث يقع القصر في شارع العروبة على الطريق الرئيس الممتد إلى مطار القاهرة الدولي.

Ad

يبدو القصر مثل نجمة سقطت من السماء، لفخامة تصميمه وتاريخه، ما يجعل منه تحفة معمارية فريدة. وتضاعف أهميته، قصص يتداولها الناس بشأنه، بعضها حقيقي، والآخر من نسج الخيال. وقد شيده المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان، الذي جاء إلى مصر قادماً من الهند نهاية القرن التاسع عشر، وتبلغ مساحة القصر نحو 12.5 ألف متر، وصُمم بطريقة كي لا تغيب عنه الشمس التي تدخل جميع حجراته وردهاته.

حالة الإهمال التي ظل عليها القصر لسنوات طويلة قبل التفكير في ترميمه، كانت سبباً في نسج خيالات عن وجود أشباح بداخله، ما جعل منه بيتاً للرعب، وتحدث البعض عن سماع أصوات نقل أثاث بين حجراته ليلاً، وعن ضوء يظهر فجأة في ساحته الخلفية وينطفئ.

لا يبدو هذا الكلام منطقياً، لكن «الجريدة» حين تناقشت مع عدد من سكان المنطقة أصروا على وجود أشباح تسكن القصر. أحدهم قال: «القصر مسكون بالعفاريت، وفي العام 1982، انبعث دخان من غرفته الرئيسة ثم دخل في شباك البرج العلوي، وبعدها ظهرت ألسنة نيران، ثم انطفأت من تلقاء ذاتها».

على النقيض، بدا الأمر مثيراً للضحك بالنسبة إلى آخرين، من بينهم محمود إبراهيم: «لا أحد ممن يروجون لهذا الهراء رأى شيئاً بعينه، كلها روايات ساذجة، ويمكن فقط أن يستفيد منها كُتَّاب روايات الخيال وقصص الرعب».

الغموض الذي يطوِّق القصر، ربما يكون سبب انتشار تلك الإشاعات، فقد صمم البارون القصر بحيث يدور البرج الموجود في أعلاه، وقد لقيت شقيقته (البارونة هيلانة) مصرعها بعد سقوطها من شرفة غرفتها، حينما كان البارون يدور ببرج القصر، وتوقفت القاعدة عن الدوران في تلك اللحظة بعدما هبّ لاستطلاع صرخاتها، وكانت هذه هي الشرارة الأولى لقصص الأشباح التي تسكن البيت.

استثمر صانعو السينما هذه الحالة الغامضة في صنع أفلام رعب، آخرها «منطقة محظورة» تأليف عادل عبدالرازق، وإخراج محمد فكري. تدور الأحداث حول فريق عمل سينمائي يصنع فيلماً وثائقياً عن قصر البارون، لكن يفشل في استخراج التصاريح اللازمة للتصوير داخل القصر، فيقرر اقتحام القصر والتصوير رغم ذلك، ما يضعه في مشاكل جمة.

اللافت أن «منطقة محظورة» كان آخر فيلم يُصوَّر داخل قصر البارون، عام 2016، قبل اتخاذ قرار وزاري بترميمه، وقال منتج الفيلم محمد عبدالرحمن: «أثناء التصوير تعرَّض فريق العمل لمفارقات عجيبة.. يبدو أن لعنة تصيب كل من يقترب من هذا القصر، ولذلك قررت وزارة الآثار منع التصوير في داخله».

صاحب القصر

إدوارد لويس جوزيف إمبان (20 سبتمبر 1852 - 22 يوليو 1929)، مهندس ومؤسس مشاريع ومالي وصناعي بلجيكي ثري، كان عاشقاً للآثار المصرية. بدأ العمل مع شقيقه البارون فرانسوا إمبان وآخرين من أسرته وحققوا نجاحات كبيرة وثروات هائلة في مجال عملهم، خصوصاً مشاريع مد خطوط السكك الحديد والإنشاءات. منحه ملك فرنسا لقب بارون عام 1907 تقديراً لجهوده في إنشاء مترو باريس، وتوفي بمرض السرطان في بلجيكا ودُفن في مصر (حسب وصيته) أسفل كنيسة البازليك.

هو صاحب الفضل في إنشاء ضاحية مصر الجديدة وقصر البارون الذي اكتمل بناؤه عام 1911، واستلهمه من معبد «أنكور وات» في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية، وصممه المعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل، وزخرفه جورج لويس كلود.

برج متحرك وأفيال ترفع النوافذ

اللافت في تصميم القصر أن فيه برجاً يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة، ليتيح للجالس مشاهدة ما حوله في الاتجاهات كافة. والقصر مكون من طابقين وملحق صغير بالقرب منه تعلوه قبة كبيرة، وعلى جدران القصر تماثيل مرمرية لراقصات هنديات وأفيال لرفع النوافذ المرصعة بقطع من الزجاج البلجيكي وفرسان يحملون السيوف وحيوانات أسطورية متكئة على الجدران.