احتضنت فرنسا ولا تزال آداب العديد من الدول النامية طباعة وتدريساً وانعقاد ندوات وغير ذلك، وشملت هذه التسهيلات الآداب العربية والفارسية، وبخاصة أن الثقافة الفرنسية ذات دور متميز في العديد من الدول العربية كمصر ولبنان والجزائر وكذلك إيران.

وقد نالت اللغة الفارسية وثقافتها في فرنسا ومعاهد الاستشراق الكثير من الاهتمام، حيث وضع "البارون ديميزون" Desmaisns، ت 1875 "المعجم الفارسي- الفرنسي"، وتضلع "دي لا غرانغ"، ت 1859 de La Grange من اللغتين العربية والفارسية، وشغف بالتصوف، ونشر "موهل"، ت 1876 mohl المولود في شتوتغارت بألمانيا، ثم قدم إلى باريس حيث عين أستاذاً للفارسية في معهد فرنسا عام 1847، نشر "الشاهنامة" الفارسية للفردوسي في باريس ما بين 1838- 1878، متناً وترجمة، وكان "مونك" Munk أيضا ألماني الأصل، فرنسي الشهرة والإقامة والوفاة 1867، وكان يتقن الفرنسية والألمانية والعبرية والعربية والسنسكريتية والفارسية، وكان يرى أن الألمانية توافق السجع العربي أكثر من الفرنسية، ونقل إلى الفرنسية عن العربية كتاب الطهطاوي المعروف "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" الذي قدمنا للقراء ملخصاً لأبرز ما فيه قبل أعوام.

Ad

ومن مستشرقي فرنسا "دي مينار"، ت 1908 de Maynard الذي ولد على باخرة عادت بأمه من القسطنطينية بالجزائر إلى مرسيليا، وفي سنة 1854 اصطحبه "الكونت جوبينو" إلى إيران فأقام في طهران سنتين أعد خلالهما كتاباً في جغرافية وتاريخ أدب فارس وما جاورها، نقلاً عن ياقوت الحموي، مستعيناً ببعض مؤلفي الفرس، ثم قصد "الآستانة"، وعند عودته منها تعلم التركية في مدرسة اللغات الشرقية، والعربية في معهد فرنسا، وعُين أستاذاً فيها، وله تصانيف بالفارسية والعربية والتركية، وكان يحسنها جميعا، ومن مؤلفاته "تقويم أدبي لخراسان في القرن الرابع الهجري"، باريس 1857. و"الدرر العمانية في اللغة العثمانية"، وهو معجم تركي- فرنسي!

ومن مستشرقي هذا المجال "دار مستيتر" Darmesteter من أساتذة "معهد فرنسا"، ومن آثاره كتاب زرادشت ورسالة لابن المقفع متناً فارسياً وترجمة فرنسية، وله مباحث دينية وافرة عن الفرس، ومن المستشرقين كليمان هيار Huart أستاذ العربية والفارسية في مدرسة اللغات الشرقية، وكان يتكلم العربية الجزائرية منذ طفولته، ثم أحسن العربية الفصحى والتركية والفارسية، ومن آثاره ترجمة "أنيس العشاق" لشرف الدين الرامي الفارسي، وكتاب عن "مذهب الباب" حول البابية والبهائية، ومتون كردية مع ترجمة فرنسية، وكتاب عن النحو الفارسي، ومقالات عن فارس القديمة ورباعيات الخيام، 1905. ومن المستشرقين "لوسيان بوفا" (Bouvat) ت 1942 ومن آثاره "تاريخ البرامكة"، و"الأسماء الفارسية في إسبانيا والبرتغال"، والعديد من المقالات عن تركيا وإيران وأفغانستان. ومنهم "جودار Godard وهو مهندس معماري وعالم أثري ومؤرخ، وقد عُين مديراً لإدارة الآثار بإيران فأنشأ مجلة الآثار الإيرانية، ونشر فيها عدة دراسات، ومنهم هنري ماسة mass,e مدير المعهد الفرنسي بالقاهرة، والذي تولى العديد من المناصب في الجزائر وفرنسا، وكتب رسالة دكتوراه عن الشاعر سعدي، باريس 1919، وترجم كتاب "العلم" لابن سينا من الفارسية.

وفي عام 1946 اختارت وزارة الخارجية الفرنسية هنري كوربن Corbin رئيسا لقسم الإيرانيات في معهدها بطهران، فنشر سلسلة كتب بعنوان المكتبة الإيرانية، وطفق يتردد على إيران في كل طريق ويلقي محاضراته في جامعاتها، وقد كافأته إيران بالأوسمة والألقاب، كما أن له الكثير من الآثار في التصوف الإيراني وغيره، وتبلغ آثاره 197 عنواناً، منها "حكمة الإشراق" للسهروردي، و"المجموعة الفارسية"، وكتاب "منتخبات من مؤلفات علماء التصوف والحكمة الإلهية العظام في إيران"، و"في أرض الإسلام الإيرانية"، في أربعة مجلدات، باريس 1971- 1973.

وقد اهتم ليسكو Lescot بالأدب الفارسي الحديث والنصوص الكردية ونشر قصتين للأديب الإيراني صادق هدايت، وكتاب عن الأدباء الشباب في إيران، وذلك باللغة الفرنسية.

(المزيد من التفاصيل في كتاب المستشرقون لنجيب العقيقي، ص 142 وما بعدها).

كان الأدب الفرنسي والأوروبي عامة بلغاتها الأصلية أو المترجمة من أهم مصادر الثقافة الإيرانية الحديثة كما هي الحال مع الثقافة العربية، ومع تقدم وسائل الاتصال وظهور المهاجر الإيرانية في أوروبا والولايات المتحدة صارت أعمال العديد من الروائيين والروائيات الإيرانيين تصدر في دول الغرب ومدنها كلندن وباريس ولوس أنجلوس.

وقد رصدت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها من إيران بروز ظاهرة الكتابة النسائية، وأحصت نحو 370 كاتبة برزن في العقد الماضي، بتن يزاحمن الرجال، لاسيما في حقل الرواية، وازداد عددهن ثلاثة عشر ضعفا في عقد واحد.

ويقول الناقد الأدبي اللبناني عبده وازن في "الحياة" 8/ 6/ 2015، إن الكاتبة الإيرانية "ليلى فولاد فند" تتحدث في كتاب جديد لها بعنوان "الكلمات والتحديات" عن جرأة روائيات إيرانيات ومطالبتهن بإحقاق الحرية العامة، ورفع الرقابة عن وسائل التعبير، ومهاجمتهن للواقع الثقافي كما في رواية "أن تقرأ لولينا في طهران" للكاتبة "آذرنفيسي"، التي صدرت بالإنكليزية عام 2003، وكانت صدمة قاسية للثقافة الإيرانية الرسمية الأصولية والمحافظة.

ويقول الناقد "وازن" إن هذه الرواية افتتحت موجة من الأدب الإيراني النسائي الأنغلوفوني، أي الصادر ضمن الثقافة الإنكليزية، و"الفرانكفوني" الصادر ضمن مجال الثقافة الفرنسية، ولئن كان الأدب النسائي الإيراني يحتل في الداخل مساحة مهمة من المشهد الأدبي عموما، يضيف الناقد اللبناني، فلا أستغرب أن يبرز في الخارج أدب نسائي إيراني في لغات أجنبية كالانكليزية والفرنسية، فخلال عام صدرت في باريس أربع روايات لأربع كاتبات إيرانيات، اخترن اللغة الفرنسية أداة تعبير هربا من الحصار الذي يهيمن على الأدب الإيراني في الداخل.

من هذه الروايات عام 2015 كانت "آزادي"، أي "الحرية" للكاتبة "باكروان"، رواية يقول الناقد إنها "غاية في الجرأة والعمق، تفضح مساوئ النظام القمعي الذي يسعى إلى تجريد الأجيال الجديدة من حقوقها الشخصية، ويأسرها في خانة أيديولوجيته الأصولية".

الكاتبة الثانية "سحر دليجاني" وكانت قد وُلدت في أحد سجون طهران عام 1983 بعد الثورة بقليل، وعقب أسر عائلتها كلها بتهمة المعارضة. وتتمتع دليجاني بشهرة عالمية واسعة، كما ترجمت أعمالها إلى لغات عدة وتكتب باللغة الإنكليزية، وقد صدرت روايتها "أطفال جاكاراند"، في باريس رغم أنها تعيش في إيطاليا.

الرواية الأخرى التي صدرت في باريس، يقول الناقد عبده وازن، هي أقرب إلى رواية التحقيق وعنوانها "أكتب لكم من طهران"، لصاحبتها "دلفين مينوي"، وهي إيرانية الأب فرنسية الأم ومراسلة لصحيفة "الفيغارو" في مصر وإيران ولبنان، والرواية تتناول وقائع رهيبة ويوميات وتفاصيل عاشتها الكاتبة خلال السنوات العشر التي قضتها في إيران، وكتابها عبارة عن رسالة تكتبها إلى جدها لتروي له بحنين وألم أين أصحبت طهران، وكيف، وعن "دار زولما" الباريسية صدرت أيضا رواية "أجراس طهران" للكاتبة الفرانكفونية "زويا بيرزاد"، كما تمت ترجمة رواية إيرانية إلى الفرنسية بعنوان "حجاب طهران" للروائية "برينوش صنيعي".

الأديبة والمراسلة "دلفين مينوي" تحدثت في بيروت عن كتابها المشار إليه في مقابلة صحافية سنرى بعض ما جاء فيها في مقال قادم.