مَن يستمع لنشرات الأخبار، ويتابع العناوين الرئيسة للصحف المحلية والعالمية، يترآى له وكأن العالم، بما في ذلك أقطار الوطن العربي، يوشك أن ينفجر، بعداواته ووحشيته وحروبه الدامية.

لكن الصحيح أيضا، أن هناك الكثير من أوجه العيش الخيِّر والعمل والحب والوصل الإنساني والاستمتاع بطيبات الحياة ولذائذها. فهناك الكثير من البشر، وفي مختلف بقاع الأرض، ممن نذروا أنفسهم للسير على درب العطاء والإيثار وطريق العمل للمستقبل، ورهان هؤلاء الكبير يشير للحظة قادمة تكون أكثر إشراقاً وأماناً وإنسانية من اللحظة العابرة التي نعيش.

Ad

أذكر يوم همس لي الصديق العزيز د. عبدالعزيز السبيل، الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية، بفكرة جمع المسؤولين عن الجوائز العربية، وبمختلف الأقطاء العربية، في اجتماع موسع لمناقشة والوقوف على طبيعة وشروط ومعايير كل جائزة عربية، وإمكانية العمل على تنسيق الجهود والوصل فيما بين هذه الجوائز، انطلاقا من كونها تكمل بعضها بعضاً.

يومها ناقشنا الفكرة بهدوء، ولمستُ حماساً لدى صديقي، واستعداداً واضحاً للعمل على إنضاجها. ولأن الأفكار النيِّرة تجد طريقها للتحقق عبر همة صادقة، فقد تلقيت خلال الفترة الماضية دعوة لحضور اجتماع الجوائز العربية، بمقر الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل العالمية في الرياض. وخلال يومي 3 و4 الجاري عُقد اللقاء الأول لما سُمِّي بـ"منتدى الجوائز العربية"، بحضور ما يقرب من ثلاثين جائزة عربية، تمثل أطيافا مشرقة من الجوائز العربية. المنتدى حقق بشكل جميل مقولة توحيد أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج حول طاولة الحوار والنقاش.

وحدهما الفكر والثقافة ما زالا قادرين على جمع العرب، كل العرب، متناسين خلافاتهم وحروبهم، والجلوس بسلام وحب واحترام للحوار وتبادل الرأي.

ناقش المنتدى الكثير من القضايا التي تهم الجوائز العربية، ومن بينها: دورة كل جائزة، وفروع الجائزة وموضوعها، وأنواع الترشيحات، واللجان بين الثبات والتغيير، وبين الإعلان والسرية، ومراحل التحكيم، والفائزون، واستمرار الأثر.

إن ما يعيشه الوطن العربي من معاناة يومية مؤلمة تخيِّم بظلالها الداكنة على معظم الشعوب العربية يظهر أن الجوائز العربية باتت نقاط ضوء خيِّرة، تحتضن أصحاب الفكر والإبداع، لتكافئهم على إنجازاتهم المائزة، معلنة علو هاماتهم، ومشيرة إلى أهمية نتاجهم، وداعمة ومشجعة لهممهم لمزيد من العطاء، وأخيراً مقدِّمة لهم ما يعينهم على التعايش، وعيش لحظة واقعهم العابرة، هم وأسرهم.

إن المواطن العربي بات، وبقدر عيشه في وطنه وبيئته، ينتمي لعيش إنساني وعولمة فكرية وثقافية واقتصادية وسياسية وعلمية وفنية أكبر تأتي إليه عبر مواقع الإنترنت ومحركات البحث، وأخيراً شبكات التواصل الاجتماعي.

لذا كان من الضروري التعامل مع هذا الواقع بذات لغته، ومن هنا جاء اتفاق أصحاب الجوائز العربية على تأسيس منتدى للجوائز العربية، تكون الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل مقره، وتقدمه للعالم من خلال بوابة إلكترونية تحمل الاسم نفسه، وتحوي حضورا لجميع الجوائز العربية بشروطها ومواعيد الترشح لها، مع وجود رابط لكل جائزة، لمزيد من المعلومات عنها.

إن اطلاعاً متأنياً على منجزات الإنسان العربي في بحثه الفكري، وإصداراته الإبداعية، وأعماله الفنية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك تميزه وموهبته، رغم كل ما يحيط به من صعاب مهلكة.

لذا، فإن أحد أثبت الجسور التي يمكننا العبور عليها نحو الآخر هو الفكر والإبداع، وخاصة حين يخاطب الآخر عبر لغة الإبداع، لا التقرير، وتحديداً حين تترجم هذا الأعمال إلى لغات عالمية حية، وتكون زاداً على مائدة الآخر، أياً كان هذا الآخر، وأينما كان مكانه وبيئته.

لجائزة الملك فيصل العالمية، ممثلة بأمينها العام د. عبدالعزيز السبيل، الشكر والتقدير على مبادرتها الرائدة، وللجوائز العربية المباركة على منتداها، ولجمهور الفكر والثقافة العربية وصل جديد يليق به.