إن الإجراءات التي اتخذت في ملف مصروفات وزارة الداخلية مؤخراً من إحالة المتهمين من داخل الوزارة وخارجها إلى النيابة العامة، وما تبعها من الكشف عن قضايا مالية أخرى سيتم اتخاذ الإجراءات القضائية معها، لهو أمر يستحق الدعم والتشجيع، شرط أن يكون هذا نهجاً عاماً وشاملاً ومستمراً لا ردة فعل مؤقتة ومحدودة وانتقائية، ذلك أن قضايا الفساد المالي والإداري في الدولة أحد أبرز أسباب تدهور مسيرتها التنموية، وأحد أكبر أسباب تنامي الإحباط وسط شرائح المجتمع المختلفة والقلق من مستقبل البلاد.

الفساد مكلف للدولة ومرهق لاستمرارها وقاتل لشعلة المواطنة في قلب أبنائها، وفي الكويت أُعلن أن جريمة الرشوة فقط تكلف الاقتصاد الكويتي 2.1 مليار دولار سنوياً وفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي بحسب هيئة مكافحة الفساد، فكيف إذا حسبنا معها جرائم أخرى كالاختلاس والتحايل والعمولات والتنفيع والهدر للمال العام، فكم ستبلغ فاتورتها سنوياً يا ترى؟

Ad

ليست الآثار الاقتصادية فقط هي التي يتضرر منها الوطن من جراء الفساد، إنما هناك آثار سياسية واجتماعية مدمرة لا تقل خطورة عن ذلك، أهمها ضياع الحقوق، وانهيار ثقة المواطن بأجهزة الدولة، ومحاربة أهل الشرف والأمانة، وتشويه القدوة الصالحة في المجتمع، ومحاولة بعض العامة تقليد كبار الفاسدين في تنمية ثرواتهم في الحرام، ناهيك عن حالات الاضطراب السياسي الدائمة والمرتفعة وتيرتها في المجتمع، لسبب واضح أن الفاسدين لا يكتفون بجمع الأموال فحسب، إنما يسعون دوماً إلى السيطرة على باقي مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية، واختراقها لضمان توفير حماية وستر لهم تمكنهم من استمرارهم في فسادهم، ومنع ملاحقتهم حتى تتمكن إمبراطوريتهم من مفاصل البلاد.

ما جرى في وزارة الداخلية يحتاج إثباتات وبراهين حكومية صادقة، تؤكد أن ملاحقة الفساد والمفسدين هو نهج جديد طال انتظاره من أهل الكويت لا «هدّة حصن»، وإن الكويتيين ينتظرون منذ أمد بعيد نهجاً قوياً وصادقاً لاستئصال أوكار الفساد، وتقويض مواقع أصحاب النفوذ، وإعادة الاحترام لقوانين الدولة وملكياتها، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.

ومن أهم الأدلة المنتظرة على ذلك هو انتقال عملية ملاحقة الفساد إلى باقي الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، وتنظيفها وفقاً لأجندة قانونية وإدارية محكمة قائمة على الحقائق وتقارير الجهات الرسمية، وما أكثرها عندنا، فهل تصمد الحكومة في موقفها؟

سنتابع ونرى والله الموفق.