دخلت العلاقات بين الصين واليابان فترة انفراج بعد سنوات من المواجهة، وبحسب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عادت علاقات بلاده مع الصين أخيراً الى مسارها الطبيعي، وفي غضون ذلك، يتحدث الرئيس الصيني شي جين بنغ عن زخم إيجابي في تعامل بكين مع طوكيو، وفي أعقاب الاستئناف التام للاتصالات السياسية العالية المستوى بين البلدين سيقوم رئيس الوزراء الياباني بزيارة الى العاصمة الصينية بكين خلال الشهر الجاري، وذلك بعد سبع سنوات من آخر قمة ثنائية بين الدولتين في الصين للاحتفال بالذكرى الأربعين لمعاهدة السلام والصداقة بينهما، وثمة إشاعات بأن قادة البلدين سيوقعان وثيقة سياسية خامسة تهدف الى اعطاء قدر من الأوكسجين الاضافي الى الديناميكية الراهنة.

وتجدر الإشارة الى أن هذا الانفراج في العلاقات اليابانية– الصينية يكاد أن يكون بصورة تامة نتيجة جهد تمثل في هجوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين، وتشكل هذه الحملة لحظة ضعف بالنسبة الى الصين يتعين على اليابان العمل على استغلالها، وفي غضون ذلك، بدأ مركز الثقل في السياسة الخارجية الصينية بالتحول والابتعاد عن تطوير مبادرة الحزام والطريق نحو مواجهة الائتلاف الصاعد الذي يسعى الى اضعاف اقتصاد ذلك البلد ومنعه من الحصول على التقنية الخارجية اضافة الى تقويض نفوذ بكين على الصعيد العالمي.

Ad

وبالنسبة الى طوكيو فإن هذا يفتح المجال من أجل تقوية الروابط التجارية بكين في وقت يمكن أن يجعل تهديد التعرفات الأميركية على السيارات الأسواق الصينية أكثر أهمية من الوجهة الاستراتيجية بالنسبة الى صناعة السيارات اليابانية، وبعد كل شيء، ازدادت صادرات اليابان الى الصين بنسبة بلغت 20.5 في المئة في العام الماضي، ثم إن التفاعل الاسترضائي والمهدئ مع الصين سيخفف بعض الضغط على سياسة اليابان الخارجية.

تجاوز الخلافات الثنائية

ولكن فيما تسعى الصين واليابان الى اظهار عزمهما على وضع خلافاتهما جانباً والتركيز بدلاً من ذلك على المصالح المشتركة فإن المنافسة الاستراتيجية وعدم الثقة سيخيمان على كل قضية تحدد علاقاتهما، وتشمل تلك القضايا النزاعات الإقليمية حول جزر دياويو– سنكاكو وبحر الصين الجنوبي، اضافة الى المنافسة في ميادين التقنية وحتى مشاريع التجارة والروابط الدولية.

في غضون ذلك لا توجد أي مؤشرات على أن أيا من هذه القضايا سيصبح أقل إثارة للنزاع، وفي أحسن الأحوال، يأمل الجانبان احتواء الإمكانية المدمرة لكل خلاف من دون إنهاء حالة الانفراج الراهنة، والقضية الوحيدة التي تستمر طوكيو في ممارسة ضبط النفس فيها هي تايوان والعلاقات عبر المضائق، وعلى الرغم من تعاطفها مع إدارة الرئيس التايواني تساي إنغ– ون والحزب التقدمي الديمقراطي تمتنع حكومة شينزو آبي عن إعطاء تايوان فسحة دبلوماسية أو تعميق التعاون الأمني مع ذلك البلد.

وعلى الرغم من قيام قوات الدفاع البحرية اليابانية بتدريبات منتظمة في بحر الصين الجنوبي فهي لا تتحدى بصورة مباشرة المعالم الاصطناعية التي أقامتها الصين على جزر سبراتلي على الإطلاق. وعلى الصعيد السياسي تم تصميم تلك التدريبات بحيث توجه إشارة الى أن اليابان لن تعترف مطلقاً بما يدعى الخط التاسع الصيني على شكل حدود للمياه الداخلية للصين.

ثم إن أسلوب اليابان يتماشى مع تحكيم عام 2016 الذي اعتبر ذلك الخط غير متلائم مع اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار، مما يعني أنه لا يطرح أساساً قانونياً لمزاعم إقليمية، وعلى الصعيد العسكري يتماشى كشف قوة الدفاع البحرية اليابانية لتدريبات أخيرة لحرب ضد الغواصات مع استراتيجية طوكيو في بحر الصين الجنوبي والتي تتمثل بالحفاظ على توازن للقوى البحرية مع الصين. وقد اشتملت تلك التدريبات على حاملة المروحيات كاغا ومدمرتين.

من جهة أخرى، يستمر خفر السواحل اليابانيون في مراقبة التحركات البحرية الصينية في بحر الصين الشرقي، وخلال العام الجاري قام خفر السواحل الصينيون بنشر ما بين 7 الى 8 سفن في الشهر في بحار دياويو– سنكاكوس مع احتفاظهم بوجود شبه دائم في تلك المنطقة، وفي شهر أغسطس الماضي وفي أعقاب عقد من المفاوضات المتقطعة وقعت الصين واليابان آلية اتصالات بحرية وجوية، ومثلت هذه الخطوة الهادفة الى بناء الثقة بين الطرفين وسيلة مشجعة لإدارة الأزمات، لكنها ليست عملية بشكل تام.

وبموجب هذه الآلية يطلب من الجانبين الاستجابة الى طلبات الاتصالات، ولكن بعد 48 ساعة من وقوع حادث، ويتعين على الاجتماع السنوي لاستعراض ترتيبات التنفيذ السماح للضباط اليابانيين والصينيين بتبادل المعلومات حول العمليات التي تنطوي على خطورة في البحر والجو، ولكن حتى الوقت الراهن ظلت هذه الآلية التي تهدف الى المساعدة في تلافي التوترات الصينية– اليابانية مجرد تدريبات رسمية خالية من المضمون الجوهري المؤثر.

الجبهة الاقتصادية

وعلى الجبهة الاقتصادية تميل العلاقة بين طوكيو وبكين أيضاً الى مواجهة محتملة، وتقود اليابان في أغلب الأحيان جهوداً دولية تهدف الى الحد من استحواذ الصين على تقنية متقدمة، وهي الساحة التي سترسم مسار منافسة القوة العظمى في السنوات المقبلة على الأقل. ومقاربة اليابان لهذه القضية تشتمل على مزيج من أنظمة مقيدة مطبقة في اليابان ومبادرة طموحة في الخارج، وفي حين قد تجمع المصالح التجارية بين اليابان والصين في بعض الأوقات انضم وزير التجارة الياباني هيروشيغ سيكو الى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة في توقيع بيان يعرب عن القلق ويدعو الى معالجة «السياسات غير السوقية من جانب دول ثالثة». وقد يستتبع ذلك تنسيقا في الإجراءات المضادة بحق الصين، وبدلاً من التعاون مع بكين من أجل حماية التجارة الحرة والتعددية تتمثل أولوية اليابان بتنسيق ثلاثي مع الولايات المتحدة وأوروبا.

وربما يفضي حديث اليابان عن تقديم خدمة لمبادرة الحزام والطريق الى حصول طوكيو على بعض عقود العمل في مشاريع البنية التحتية التي تشمل الشركات الصينية، وتعمل لجنة صينية– يابانية تشكلت أخيراً على دراسة خطط تهدف الى بناء نظام خطوط حديدية عالية السرعة في تايلند، وهو مشروع كان حتى فترة قريبة رمزاً للمنافسة بين الدولتين.

وسيقدم مزيج أكثر ملاءمة من التعاون والمنافسة بين الصين واليابان فائدة متوقعة بالنسبة الى قارة آسيا، وخصوصا إذا كان ذلك العمل مدفوعاً بمصالح تجارية واعتبارات سوقية، وعلى أي حال، يفكر قادة اليابان في مثل مشاريع البنية التحتية من منظور المصالح الاستراتيجية وتوازن النفوذ، وبالنسبة الى الوقت الراهن تظل اليابان الدولة الوحيدة التي تجرؤ باستمرار على التنافس مع الصين في مشاريع الربط، وهي تطرح البديل الى دول في العالم النامي.

وتظهر رغبة الصين في التخفيف من المواجهة مع اليابان ضخامة الهزة التي أحدثها الرئيس ترامب في بكين، وعلى سبيل المثال فقد كانت احتجاجات بكين على التدريبات التي أجرتها اليابان في الآونة الأخيرة في بحر الصين الجنوبي خفيفة بصورة مفاجئة مقارنة مع ما كان يصدر عن بكين في هذا الصدد قبل عدة سنوات فقط، لكن مرونة الصين تكتيكية الطابع ولها حدودها، كما أن المصالح التجارية المتبادلة لا يحتمل أبداً أن تغير العلاقات بصورة حقيقية.

*ماثيو داشاتيل