دخلت إيران والولايات المتحدة هذا الأسبوع مرحلة متوترة جديدة من التراشق بالكلام والتنديد. لكن حروب الكلام تؤدي أحياناً إلى حروب الرصاص أو قد ترفع المخاطر كثيراً، مما يُحتم خوض مفاوضات بغية احتواء الصراع.

يرى ترامب هذه المسألة من منظار واحد هو أن «على إيران العودة وخوض محادثات»، ولا شك في أن تجربته الأخيرة مع كيم يونغ أون تعكس وتعزز اعتقاده الراسخ بأن أمم محور الشر هذا لا تملك أي خيار أو شريكاً في المفاوضات أفضل من إدارته.

Ad

تُظهر كوريا الشمالية وقائدها، الذي دُعي سابقاً «رجل الصاروخ الصغير»، أن أسلوب التفاوض النووي العالي المخاطر هذا قد يقود إلى عملية سلام، لكن النتائج لم تكن مضمونة بالتأكيد، وكان من الممكن أن تقود هذه المناورة إلى إحراق سيول، لكن الخبر الجيد أن مناورته هذه قادت إلى تجدد الحوار والحد من التصعيد في شبه الجزيرة الكورية.

يعتمد ترامب اليوم أسلوب التفاوض ذاته، الذي اتبعه في كوريا الشمالية، في تعاطيه مع دولة إيران المخيفة، لكنها خالية من الأسلحة النووية.

تتبع إيران بقيادة روحاني قواعد كيم الأولية، مشيرةً إلى أن لترامب «ميولاً نازية»، لكن ما سيحدث اليوم بالغ الأهمية، كيف يبدأ الحوار الأميركي- الإيراني؟ هل يخفق في العثور على منتدى وتواصل المخاطر تفاقمها؟ يمارس ترامب الضغط الأقصى، سواء في خطابه أو على الأرض مع عقوبات اقتصادية عميقة ومشلة من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر. في المقابل، يدعو روحاني كل هذا «إرهاباً اقتصادياً».

من اللافت للنظر أن إستراتيجية العقوبات الاقتصادية القوية والفاعلة، التي طبقتها إدارة أوباما، كانت السبب الأول الذي دفع إيران إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويحاول ترامب راهناً اتباع مقاربة الترغيب والترهيب ذاتها إلى جانب بعض التهديدات على غرار «النار والغضب» التي ينفرد بها شاغل البيت الأبيض حالياً.

الترهيب؟ العقوبات. والترغيب؟ المفاوضات والتطبيع.

عمل أوباما انطلاقاً من فرضية أن صفقة إيران النووية خطوة مهمة (إنما الأولى فحسب) نحو استمالة سلمية للطبقة السياسية الإيرانية المعتدلة والمتفتحة. إذن اعتبر الصفقة النووية، التي يمكن التثبت من نتائجها، تدبيراً أولياً لبناء الثقة، وكان الهدف تحويل إيران إلى عضو في مجتمع الأمم الدولي يلتزم بالأعراف ويروّج للسلام، عضو يصدّر النفط القليل الكلفة لا العنف الدموي.

لكن ترامب لم يملك شيئاً من كل هذا، لم يعتقد أنك تستطيع شراء انصياع إيران أو استمالة قادتها من دون اتفاق أكثر شمولية، شعر ترامب أن أوباما تخلى عن كل مصادر نفوذه، لذلك مزّق الصفقة، ونوشك اليوم أن نشهد بداية الجولة الثانية من العقوبات/ نسخة ترامب.

لكن الاختلاف بين مقاربتَي ترامب وأوباما، اللتين ترتكزان على العقوبات، كبير، فقد نفّر ترامب بعض الحلفاء واستفز عدداً من الخصوم الاقتصاديين، كذلك لم تحظَ رسومه الجمركية ومطالباتها بتجارة منصفة بالقبول في الخارج.

خرج ترامب من قمة سنغافورة مع انتصار مزعوم ومع حاكمه المفضل الجديد كيم يونغ أون، الذي وصفه بالرجل «الشجاع»، ويريد ترامب اليوم أن يستخلص درساً سابقاً لأوانه من هذا الانتصار غير المكلف، الذي حققه مع كوريا الشمالية، لذلك يسعى راهناً إلى تعريض إيران للنوع ذاته من الضغط الأقصى الذي شعر أنه أجدى نفعاً مع كيم. ولكن بخلاف كوريا الشمالية، إيران إمبراطورية سابقة تضم عدداً أكبر بكثير من السكان وتتمتع بوفرة من موارد الطاقة، فضلاً عن نفوذ إقليمي بازر في تعاطيها مع حلفاء أميركيين في الظاهر، مثل العراق.

لا يلعب معظم القادة بنار فعلية في ألعاب المواجهة الدبلوماسية العالية المخاطر لأن أي خطأ في الحسابات قد يقود إلى عواقب مميتة، لكن ترامب يعشق هذه اللعبة، ولنأمل أن يكون مصيباً في رهانه.

* ماركوس كونالاكيس