طوى العراقيون، أمس الأول، واحدة من أصعب جلسات البرلمان الذي بات عمره 13 عاماً، إذ لم تعد هناك أي تقاليد حزبية أو كتلوية تقيد حركة السياسة، وانحاز معظم النواب، بغض النظر عن مواقف القادة وصفقات الكواليس، إلى برهم صالح، السياسي الكردي البارز، كرئيس للعراق، الذي بدوره لم يتأخر كثيراً، فقد كلّف عادل عبدالمهدي، المخضرم وسليل الأسرة العريقة من جنوب العراق، بتشكيل حكومة جديدة.

ويعتقد مراقبون أن البرلمان خضع لرأي عام عراقي مدعوم بمظاهرات عارمة اندلعت منذ يوليو الماضي مطالبة بالإصلاح، لافتين إلى أن الجناح الموصوف بالاعتدال السياسي دخل مرحلة جديدة يمتلك خلالها مؤسسة الرئاسة والوزارة في آن واحد، مع خروج مدوٍّ لحزب الدعوة الذي هيمن على السلطة منذ عام 2005 .

Ad

وينشغل العراقيون هذه اللحظة بسؤالين مهمين، أولهما: مَن انتصر... نفوذ واشنطن أم نفوذ طهران؟ ويجيب المراقبون بأن الصراع لم يعد ثنائياً على خشبة المسرح العراقي بين بلاد فارس وأميركا، بل ظهر تيار عراقي يتأثر بضغط الشارع الغاضب، وهكذا باتت التناقضات تدار من جانب ثلاثة أطراف، هي إدارة الرئيس الأميركي ترامب، التي تريد رؤية معتدلين لديهم علاقة وثيقة مع الغرب في مواقع السلطة، وطهران التي أدركت أنها تتراجع ولابد أن تقدم تنازلات كبيرة وتتقبل الليبراليين العراقيين المتصالحين مع التوازنات التقليدية، إلى جانب تيار عراقي خاضع لتأثير رأي عام غاضب من طريقة إدارة الدولة، يحاول تشكيل إدارة في رئاستي الجمهورية والحكومة، تنجح في تحقيق التوازن بين نفوذ طهران في العراق، وعلاقة بغداد الاستراتيجية مع المعسكر الغربي وواشنطن كشريك يمنح ثقته لدعم التعافي في البلاد المحطمة.

ويعرف رئيس الجمهورية برهم صالح بأنه من الجيل الجديد للساسة في كردستان، صاحب العلاقات الطيبة مع العرب، مما يمنح الفرصة لتقليل الاحتقان القومي في العراق والمنطقة، كما أن رئيس الحكومة المكلف، وهو سليل أسرة سياسية شيعية عريقة وخبير دولي في اقتصاديات العالم الإسلامي، يحتفظ بعلاقة متوازنة مع الغرب والإيرانيين، ومقبول في المحيط العربي، ويحظى باحترام القوى العراقية.

أما السؤال الثاني، فهو كيف سينجح فريق الاعتدال في التعايش مع إدارة ترامب، وخاصة أن صالح وعبدالمهدي من أبرز مهندسي نظرية التوازن بين إيران وواشنطن، وكانا يقولان لطهران إن عراقاً فاشلاً سيمثل عبئاً عليها، ويذكران لواشنطن أن تحويل العراق كساحة لتصفية الحسابات سيخلق مشكلة كبيرة للإدارة الأميركية.

لكن العراقيين باتوا يدركون أن أسلوب ترامب في التعامل مع الملف الإيراني عدواني، وقد لا يتقبل بسهولة نظرية العراقيين في إدارة الأزمة، مما يجعل مهمة الثنائي صالح وعبدالمهدي في قمة الصعوبة، يشفع لهما بعض الثقة من مرجعية النجف الدينية، والعلاقات الإقليمية والدولية المقبولة، وكذلك اضطرار إيران للإنصات إلى مقترحاتهما، كشخصيات يمكن أن تخفف التصادم والاحتقان في اللحظات الصعبة.