في الوقت الذي وصل فيه جيمي أكيسون المعادي للهجرة والمثير للفتنة الى مدينة مالمو في السويد لحضور مهرجان عشية الانتخابات النيابية الماضية كان حزبه– الديمقراطي السويدي– يثير الخوف في قلوب قراء الصحف العالمية طوال سنة كاملة. وتعتبر مالمو التي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة ثالث أكبر مدينة سويدية تقطنها مجموعات دولية، وبعد عقود من الهجرة الجماعية المتواصلة بلغت ذروتها في استقبال عدد قياسي من المهاجرين من العالم الإسلامي في سنة 2015 كان الحزب الديمقراطي السويدي الحزب رقم واحد في معظم مقاطعات البلاد، ولكن على الرغم من ذلك– وفي ظاهرة لافتة– كان نحو ألف شخص فقط قد حضروا من أجل الاستماع الى خطاب أكيسون ولم تظهر عليهم مؤشرات تعاطف، وبدا الحضور أشبه بحشد لتناول طعام الغداء في أي مدينة أميركية كبيرة على أي حال.

لكن ذلك تغير بسرعة، وعندما بدأ أكيسون بالكلام رفعت مجموعات صغيرة وسط الحشد أعلاماً تمثل قوس قزح وأخرى تحمل عبارات تقول «اللاجئون موضع ترحيب بيننا»، وقامت الشرطة بتوجيههم الى آخر وجود الجمهور، وهي منطقة مخصصة للاحتجاج، واستمرت هذه الحال 45 دقيقة كان أكيسون يلقي خلالها كلمته، ثم بدا الجمهور في المقدمة أكثر تقدماً في السن وأشد هدوءاً، وقد غلبت عليه السمة السويدية، فيما كان الجمهور في الخلف أصغر سناً وأكثر سمرة وعدداً، ويذكر بتاريخ الدول الاسكندنافية الحديث.

Ad

وفي الوقت الذي فرغ أكيسون فيه من إلقاء خطابه ترددت الأغاني التي تقول «ليس لدى اللاجئين من خيار» و»لا للعنصرية في شوارعنا»، كما لوح المتظاهرون بقبضات أيديهم، ولكن لم يكن بين ذلك الحشد أي عضو في الحزب الديمقراطي السويدي.

دعوة إلى إبعاد المهاجرين

وكان أكيسون قد حث على إبعاد أولئك المهاجرين الذين ارتكبوا جرائم جنسية إضافة إلى تقليد الأسلوب الأميركي في احتجاز المجرمين بانتظار تقديمهم إلى المحاكمة، ولكنه كان يشتكي بقدر أكبر، عندما جاء إلى مدينة مالمو، من أن الناس لم يسمحوا له بالكلام، وعندما فرغ من الحديث سعى أنصاره الى المغادرة بسرعة.

وتجدر الإشارة إلى أن السويد سمحت للمهاجرين بالخروج عن سيطرتها، وبدأت تجربتها مع هجرة العمالة من يوغوسلافيا في حقبة الستينيات من القرن الماضي، كما أنها استقبلت المهاجرين من الصومال والبوسنة في التسعينيات ومن العراق وأفغانستان في القرن الحالي، وكان العدد السنوي للمهاجرين يصل إلى 110 آلاف شخص، وهو يشكل زيادة بأكثر من 1 في المئة سنوياً، ومثل هذه الهجرة ستغير بمرور الوقت تركيبة البلاد بشكل جوهري.

وفي سنة 2015 وعندما بدأ اللاجئون من سورية ومن شتى أنحاء العالم الإسلامي بالوصول إلى أوروبا عمدت الدول الإسكندنافية إلى الترحيب بهم، وقد استقبلت الدنمارك أكثر من 21 ألف طلب لجوء والنرويج 31 ألفاً وفنلندا 32 ألفاً، واستقبلت السويد 162 ألف مهاجر ولديها نسبة مواليد من الأجانب تصل إلى نحو 19 في المئة.

وفي الكثير من الدول الأوروبية إذا لم تتباطأ الهجرة فإن بعض البلدان ستفقد ثقافتها التقليدية، وقد فات الأوان في السويد على عمل أي شيء إزاء ذلك، وتبلغ نسبة المسلمين فيها اليوم 8.1 في المئة. وبحسب أرقام السويد فإن نسبة المسلمين فيها ستصل إلى 30 في المئة بحلول عام 2050 والى 21 في المئة في حال توقف الهجرة إليها بصورة تامة، وهو احتمال بعيد الحدوث.

عواقب مثيرة للقلق

وتمثلت إحدى العواقب في انتشار الجريمة والعصابات، كما أن حوادث إطلاق النار تضاعفت منذ سنة 1997 مع المئات من العمليات بين عامي 2014 و2016، ثم هناك الإرهاب أيضاً: وفي العام الماضي قام رجل من طالبي اللجوء ينتمي الى تنظيم «داعش» بسرقة شاحنة تحمل البيرة في مدينة دروتننغاتان وقتل خمسة أشخاص، كما انتشرت حوادث الاغتصاب. وتجدر الإشارة إلى أن الانسجام في تركيبة المجتمع يضفي الطمأنينة ويبعد التطفل على حياة الناس الخاصة، ولكن مع تنوع شرائح المجتمع يتعين على الدولة التدخل لحفظ الأمن.

في شهر ديسمبر من عام 2014 وبغية منع الحزب الديمقراطي السويدي من التصرف مثل صانع الملوك بين كتلتين متساويتين توصل يسار «لوفن» إلى اتفاق مع ائتلاف من أربعة أحزاب من جناح اليمين يقضي بالسماح للكتلة التي تحصل على أعلى نسبة من الأصوات بتمرير ميزانيتها.

وتمثل حركة الالتزام قوة كبيرة، وكان عالم الاجتماع أكه دون يقول كيف يجب أن نعمل على تغيير السويد بحيث يصبح بالإمكان دمج المهاجرين فيها؟ ثم لماذا يتعين أن نغير السويد في المقام الأول؟

المحاولة الاستثنائية بقدر أكبر حول إثارة جدال مألوف بشأن الهجرة صدرت عن الباحث الاقتصادي الشاب تينو ساننداجي، وهو من المهاجرين أيضاً ومن مواليد إيران من أبوين كرديين، وقد عمل في سنة 2016 على طرح تحليل حول الهجرة إلى السويد، وألّف لهذا الغرض كتابا بعنوان «التحدي الكبير»، أشار فيه الى ميل السويد الى أي حصيلة سلبية في هذا الصدد ليس على شكل «مشكلة» بل على صورة «التحدي» المحتمل.

إحصاءات موثوقة

إحصاءات ساننداجي موثوقة ويمكن التعويل عليها تماماً لأنها مصدر عيشه، ولكنه لا يهدف في الوقت نفسه الى الدعوة الى الحذر الشديد وإثارة المخاوف، وتتناول هذه الأرقام بالتأكيد توقعات تتعلق بتأثير الهجرة على الحياة في السويد، ولكن من دون أن يشمل ذلك أعداد المهاجرين منذ سنة 2015. وقد أظهر هذا الباحث مجادلات حول «إثراء» الهجرة مستخدماً أرقام الناتج المحلي الإجمالي بدلاً من إنتاج الفرد على شكل صورة للنمو الاقتصادي على سبيل المثال.

وتظهر كل دراسة جدية معدلات الهجرة الى السويد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتأثيراتها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وعمد ساننداجي الى تحديد تكلفة كل مهاجر عند 85 ألف دولار، ولذلك كانت انتخابات هذه السنة استفتاء على سياسة الهجرة في السويد، والذي اشتمل على خيارين هما:

1 – سياستنا المتعلقة بالهجرة كانت خطأ ويتعين تغييرها

2 – سياستنا المتعلقة بالهجرة كانت خطأ... ولكن ما الحل؟

كان الحزب الديمقراطي السويدي الوحيد الذي يمثل الخيار الأول بخلاف كل الأحزاب الأخرى التي تناولته بصورة شفهية فقط، ولكن اثنين وربما ثلاثة من أربعة أحزاب محافظة تعتقد حقاً في أسلوب التشدد إزاء الهجرة والجريمة تماماً مثل الحزب الديمقراطي السويدي.

وفي نهاية المطاف حصل الحزب الديمقراطي السويدي على 17.6 في المئة من أصوات الناخبين وهي أعلى نسبة له على الإطلاق، كما أن الصحافيين الذين أرسلوا لتغطية تلك الانتخابات كتبوا أن ذلك يمثل «هزة أرضية» في السياسة السويدية، ولكنها لم تكن على هذا النحو على أي حال. وفي الواقع فقد كانت هزة أمكن تفاديها، وكانت تلك أول انتخابات في ذلك البلد منذ سنة 2015 وقد خسر فيها الحزب الشعبوي.

ويتعين على الحزب الديمقراطي السويدي من أجل الفوز أن يحصل على أصوات كافية تراوح بين 20 الى 30 في المئة من الأصوات، وهي النسبة التي توقعها أكيسون صبيحة الانتخابات من أجل إرغام حكومة استوكهولم على مراجعة سياستها إزاء الهجرة.

دعوة إلى الحوار

واليوم يدعو أكيسون الذي تسلح بنسبة تفويض غير كافية الى حوار مع بناء نظام مع أولف كريستورسن من الحزب المعتدل، ولكن ليس بين كل هذه التغييرات مكان تجد السويد نفسها فيه، إضافة الى أن العلاقات العرقية تزداد سوءاً، وسيقوم وفد من 63 عضواً في الحزب الديمقراطي السويدي في ريغسداغ بجعل ارتفاع معدلات الجريمة وتدهور الوضع الاقتصادي للطبقة العاملة في السويد قضية يصعب تجاهلها، تماماً كما فعل حزب البديل لألمانيا في ريخستاغ في العاصمة برلين.

وأياً كان الائتلاف الذي سيحكم فإن فسحة المناورة أمامه ستكون ضيقة، ولكن في معركة «اكسب البعض واخسر البعض» بين المؤسسات السياسية الأوروبية والأحزاب الشعبية الأوروبية الرافضة تمثل الانتخابات الأخيرة في السويد أكبر نصر للمؤسسة الحاكمة منذ فوز إيمانويل ماكرون في انتخابات الرئاسة الفرنسية في مطلع صيف العام الماضي.

وكان يخشى أن يغير المتطرفون في السويد الوضع وأن يطرحوا مفاجأة مروعة في الانتخابات، وفي نهاية المطاف تقررت حصيلة الانتخابات ليس نتيجة شيء لم يجرؤ السويديون على الاعتراف به بل بشيء لم تتوافر لديهم الجرأة لمواجهته.